لا يختلف المهتمّون والمطّلعون على أحوال المسرح والدراما في سورية حول الدور الذي لعبه "المعهد العالي للفنون المسرحية" بدمشق في منْح هذين المجالين بُعداً مِهَنيّاً وبنيوياً لم يكن موجوداً من قبل في البلد، الذي عرف تجارب عديدة بدءاً من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لكنّها ظلّت إمّا أقرب لتجارب الهواة، أو أشبه بظواهر متعلّقة بمجهودات شخصية، لا بتكوين أكاديمي.
وسرعان ما تحوّل المعهد، الذي تأسّس عام 1977، إلى مؤسّسةٍ تزوّد المشهد الفنّي والأدائي في البلد، على نحوٍ دوريّ، بمجموعات من المشتغلين في التمثيل والإخراج والكتابة النقدية والكتابة للخشبة أو التلفزيون، والذين تلقّوا تكويناً ساعدهم بالارتقاء بهذه الفنون إلى مستوى سيجعل من الاشتغال المسرحي والدرامي السوري واحداً من الأبرز بين البلاد العربية في السنوات اللاحقة، وحتى اليوم.
بدعم من مؤسّسة "اتجاهات – ثقافة مستقلّة"، أُعلن أخيراً عن إطلاق المرحلة الأولى من مبادرة "أرشيف المعهد العالي للفنون المسرحية"، وهي، بحسب بيان للمؤسّسة نشرته عبر صفحتها على فيسبوك، "مبادرة ثقافية مستقلّة تعمل على جَمْع وثائق رسمية وموادٍ بصرية وإنتاج شهاداتٍ مصوَّرة مع مجموعة من مؤسسي ومؤسسات وخريجي وخريجات المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق".
يشمل المشروع مرحلتين أُخريين تغطّيان مسار المعهد حتى يومنا هذا
وأسّس المبادرة كلٌّ من الأكاديمية ميّادة حسين، التي تخرّجت في المعهد عام 1988، قبل أن تلتحق بكادره التدريسي (ضمن قسم الدراسات المسرحية) منذ عام 1991، والمُخرج المسرحي عمر أبو سعدة، الذي بدأ تكوينه أيضاً في المعهد، قبل أن يُكمل مساره الأكاديمي في لندن. وترافق حسين وأبو سعدة في هذا المشروع مجموعةٌ من المشتغلين في البحث والأرشفة (فؤاد حسن، رفيق الساجر، ميخائيل شحّود)، والتصوير (رهام القصّار، رؤوف ظاظا، عمر ملص، رودريغو باريتو)، إلى جانب فريق من العاملين في تصميم الموقع (لجين سليلاتي) وتطويره (عمار شغلان، ومحمود المس) وفي الترجمة (وطفة العسافين).
تشمل المرحلة الأولى من المشروع تغطيةً للسنوات الممتدّة بين تأسيس المعهد في 1977 وعام 1992، حيث أُطلق موقعٌ إلكتروني يحمل اسمه (hidaarchive.com)، ويضمّ مجموعات من الصور والنصوص (دراسات الطلّاب ورسائل تخرّجهم) وفيديوهات لعروض الطلبة خلال تلك السنوات، وهي وثائق حصل عليها فريق العمل من أساتذة وطلّاب مرّوا بالمعهد.
كما يقدّم الموقع شهاداتٍ مصوّرة يعود فيها عددٌ من مؤسّسي المعهد، والأساتذة الذين درّسوا فيه، والطلّاب الذين تلقّوا تكوينهم الأكاديمي فيه، إلى تجاربهم الخاصّة، أو حتى إلى المرحلة التي سبقت تأسيسه، لتبيان الدور البارز الذي ستلعبه هذه المؤسّسة بعد إطلاقها.
وبعد هذه المرحلة الأولى، يتضمّن المشروع مرحلتين أُخريَين: الثانية، التي تغطّي السنوات بين 1992 و2011، والثالثة التي تشمل الفترة ما بين 2011 واليوم.