في عددها التاسع عشر (تموز/ يوليو)، تتناول "أسطور"، المجلّة العلمية المحكّمة نصف السنوية التي تصدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد الدوحة للدراسات العليا" جملة قضايا وظواهر تاريخية، بالإضافة إلى ترجمات حديثة لعدد من الدراسات ومراجعات الكتب.
وتضمّن العدد دراسة "التحقيب وكتابة تاريخ المغرب" لمحمد حبيدة، التي تسعى لمناقشة إشكالية "مطلع العصر الحديث" (القرن السادس عشر الذي وافق حكم السعديين للمغرب)، والنظر في السؤال: إلى أي حد ينبغي مراجعة المقولات المرتبطة بذلك؟ بمعنى آخر: هل يستقيم الكلام على عصر حديث في غياب للحداثة، مظهرًا وبنيةً؟
"مقاربة تاريخية للتربية على قيم حقوق الإنسان بالمغرب" عنوان دراسة مصطفى حسني إدريسي ومحمد زرنين، التي تستعرض انطلاقًا من متن منوّع، العلاقة بين التربية على قيم حقوق الإنسان والسياق السياسي والتربوي في المغرب منذ الاستقلال، بينما يناقش عبد المجيد بهيني في دراسته "مصر بعيون رحالة فارسي (438-444هـ/ 1045-1052م)"، موضوع توظيف المتن الرحلي في البحث التاريخي، وما يكتنف ذلك من مخاطر منهجية ترتبط أساسًا بتفاعل الرحّالة الفوري مع ما يرى من أحداث وما يصف من ظواهر وأوضاع. وقد يؤدي هذا التفاعل تارةً، بالنظر إلى قرب عهد المؤلف بالحدث وعدم أخذ وقت كافٍ لقراءته قراءة صحيحة، إلى الخروج باستنتاجات وتأويلات مجانبة للصواب ومخالفة للحقيقة؛ وتارةً إلى تشكيل صورة أو بناء موقف مبالغ فيه خصوصًا إذا كان للمؤلف تعاطف وميل إلى جهة معينة.
يشتمل العدد على دراسة حول التحقيب وكتابة تاريخ المغرب وآخرى عن مصر يعيون رحالة فارسي
أما دراسة "التاريخ الاجتماعي للمغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر: أي دور المخزن في تعميق أزمات المعيشة" لمحمد أيتجمال، فتركّز على فترتَي حكم السلطانين المولى سليمان والمولى الحسن الأول. فقد اختلفت معالم سياسة المخزن من سلطان إلى آخر، وتبدلت بتبدل الظروف العامة للبلاد، فراوح وقعها على العامة بين الخير العميم والتفقير المدقع.
وتخلص دراسة "المعرفة الاستعمارية البريطانية للحالة العُمانية: المقاربات والتوظيف السياسي (1798-1970)" لناصر بن سيف السعدي، إلى أن المصالح السياسية البريطانية أدت إلى تزايد الاهتمام المعرفي بالمجتمع العُماني، وذلك عن طريق إجراء مسوحات وبيانات اجتماعية شاملة، اعتمدت على أسس إثنية بهدف إشاعة التناقض وترسيخ التباين بين مكونات المجتمع العُماني. كما أن هذه المعرفة المنتَجة سعت إلى فهم البنى السكانية، ومراقبة حركة المجتمع. وكان الإحصاء السكاني من أهم الأدوات التي استخدمتها السلطات البريطانية لتقسيم عُمان إلى فضاءين سياسيَين.
واختتم الباب بدراسة "إعادة كتابة السيرة النبوية في مصر في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته (محمد أحمد جاد المولى، طه حسين، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد)" لعمرو عثمان، تهدف إلى التعريف بأربعة كتب عن الرسول والسيرة النبوية ظهرت في مصر في الفترة 1931-1942، وتهدف إلى تحديد السمات العامة لتلك الكتب وأوجه الجدة فيها ودوافع ظهورها في سياقها التاريخي.
وفي باب "ترجمات"، نُشرت دراسة "في نقد الثورة" لفرانسوا فوريه ترجمها محمد حبيدة، و"الوضع الاجتماعي والاقتصادي لمدينة طرابلس الشام في منتصف القرن السابع عشر" لإنفر شاكار ترجمتها غنى مراد. أما باب "مراجعات كتب"، فقد ضمّ قراءة في كتاب الهويات المتشظية وشتات النخب على تخوم العالم الإسلامي: مساهمة في إعادة رسم جوانب من خارطة ’العصر السني‘ في الإسلام الوسيط" للطفي بن ميلاد، من إعداد حسن حافظي علوي، وقراءة أخرى في كتاب "من عام الفيل إلى عام الماريكان: الذاكرة الشفوية والتدوين التاريخي" لعبد الأحد السبتي، من إعداد عبد الله هرهار.
ومن ناحية أخرى، تضمّن باب "وثائق ونصوص"، دراسة بعنوان "رشيد صيف 1799: قراءة في وثيقة الزيت والأرز" لناصر إبراهيم. واختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور" التي نُشر فيها الجزء الثاني من أعمال ندوة "تجربة الكتابة التاريخية في المغرب: سياقات واتجاهات"، وقد نظمتها دورية "أسطور"، في الفترة 27-29 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وتضمّن هذا الباب ثلاثة مقالات: "التاريخ والمجتمع" لعبد المجيد القدوري، و"كتابة التاريخ الاجتماعي والذهني في ضوء تجربة وحدة التكوين والبحث" لإبراهيم القادري بوتشيش، و"حصيلة البحث في حقل الدراسات العثمانية والإيرانية في المغرب" لعبد الرحيم بنحادة.