أصدقاء لغتنا: مع جمال أحمد رجب ماتوفيتش

03 اغسطس 2024
جمال أحمد رجب ماتوفيتش
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الترجمة كجسر ثقافي:** جمال أحمد رجب ماتوفيتش، مترجم من كوسوفو، يركز على نقل الإنتاج الأدبي والعلمي العربي إلى لغات البلقان، بهدف إبراز دور العرب في الحضارة الإنسانية. بدأ دراسته للغة العربية في الأزهر الشريف، حيث تمكن من إتقان اللغة وعلوم الشريعة الإسلامية.

- **التحديات والآمال:** يواجه ماتوفيتش عقبات تتعلق بعدم تجاوب بعض أصحاب حقوق النشر، لكنه يؤكد أن هدفه ليس تجارياً بل ثقافياً ومعرفياً. يسعى لنقل العلوم الشرعية والأدبية العربية إلى لغات البلقان، ويأمل في تعاون مع مؤسسات وأفراد في العالم العربي لدعم مشاريعه.

- **أهمية الأدب العربي:** يرى ماتوفيتش أن الأدب العربي يمتاز بسمات عظيمة ويمثل امتداداً لتاريخ ثقافي غني، مدعوم بلغة عظيمة هي لغة القرآن. يعتقد أن نقل الفكر العربي الأصيل إلى الثقافات الأخرى يمكن أن يمحو الصورة السلبية الخاطئة التي صنعها أعداء الأمة.

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "أُركّز على ترجمة الإنتاج الذي يعكس دَور العرب في الحضارة الإنسانية ماضياً وحاضراً"، يقول المُترجم جمال أحمد رجب ماتوفيتش.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- بكل أسف، كلّ ما يجري الآن في غزّة، وفي المدن الفلسطينية الأُخرى، هو إبادة جماعية وظلم ليس له حدود، يقابله سكوت مُخزٍ من العالَم، وهذا يُؤجّج مشاعر الكراهية في نفوس الأحرار تجاه الاحتلال الإسرائيلي وكلّ من يسانده؛ وكأنّنا نسمع محمود درويش من جديد، مُعلِّقاً على ما يجري، بشعره ومقالاته التي كتبها قبل سنوات. لقد رسم، بوضوح، معاناة هذا الشعب العظيم، ونراها اليوم واقعاً ماثلاً أمام أعيننا. إنّها مشاعر الفلسطيني الحُرّ والثائر والمتمسّك بأرضه ووطنه. في الوقت الذي كنتُ أشتغل فيه على ترجمة أعمال درويش، كنتُ أشعر أنّني أمام ما يجري الآن. لقد كان توقيتاً مناسباً لترجمة صرخة شعب فلسطين الثائر ونقلها إلى لغة البلقان، ليعرف هذا الشعب حقيقة ما يجري هناك على أرض فلسطين المحتلّة. تُجسّد تلك القصائد الجميلة، التي ترجمتُها، إصرار الشعب الفلسطيني على استرداد حقّه مهما كلّف الأمر. درويش وشعب فلسطين المقاوِم يضعان المتخاذلين من العرب ودعاة التحرُّر في العالم في موقف محرج أيضاً.


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

- درستُ اللغة العربية في الثانوية. لكنّ هذا لم يكن كافياً لأن أتكلّم بها وأعرف أسرارها العظيمة، فالتحقت، في المرحلة الجامعية، بالأزهر الشريف في مصر، لدراسة علوم الشريعة، وبذلت الكثير من الجهد للإلمام باللغة وعلوم الشريعة الإسلامية. وبالفعل، تمكّنتُ، بفضل الله وتوفيقه، من الإلمام الجيّد باللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية في وقت قياسي، حتى أنّنا بعد ثمانية أشهر فقط من بدء الدراسة، لم أعد بحاجة إلى مترجم داخل الجامعة أو مع الناس خارج الجامعة.


■ ما أوّل كتاب ترجمته وكيف جرى تلقّيه؟

- أوّل كتاب ترجمتُه كان "الدخيل في تفسير آي التنزيل" لأستاذي جمال مصطفى عبد الحميد النجّار، وكان أستاذَ التفسير والعلوم القرآنية في "كلّية أصول الدين" بالقاهرة. كانت هذه أوّل تجربة لي في الترجمة، وقد نشرت الكتاب عند مجيئي إلى الجبل الأسود، وكان مرجعاً لمعرفة الكثير من الأمور التي يبحث عنها الطلبة وغيرهم.

رغبتنا هي نقل الإنتاج المعرفي العربي في كلّ العلوم

■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟

- آخر إصداراتي في الترجمة من العربية هي الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش؛ إذ ترجمتُ له 24 مجموعة شعرية، وأيضاً كتابه النثري "في حضرة الغياب". استغرقت هذه الترجمة ما يقارب أربع سنوات بين الترجمة والتدقيق اللغوي، وصدرت في أربعة كُتب تضمّنت، أيضاً، أشهر مقالاته وحواراته في البرامج التلفزيونية واللقاءات والتجمّعات الأدبية والمهرجانات الثقافية في شتّى المناسبات الثقافية والسياسية. هذه الترجمة، التي أفتخر بها وأعتبرها من أبرز إنجازاتي، تشمل لغات البلقان جميعها: المونتنيغرية، والبوسنية، والصربية، والكرواتية، والمقدونية، وتلك اللغات كانت تتحدّث بها دولة يوغوسلافيا سابقاً. وبسبب هذه الترجمة تمّ ترشيحي لجائزة UNESCO لنشر ثقافة العربية من قبل وزارة الثقافة في الجبل الأسود. أمّا إصداراتي القادمة إن شاء الله، فستكون ترجمة كتاب "تفهيم القرآن" للباكستاني الراحل أبو الأعلى المودودي رحمه الله، وهو يضمّ ستّة مجلّدات في التفسير، وأعتبره من أفضل التفاسير المُعاصرة.


■ ما العقبات التي تواجهك مترجماً من اللغة العربية؟

- أتمنّى ألّا تكون ثمّة عقبات. لدينا رغبة كبيرة في نقل العلوم الشرعية من اللغة العربية إلى لغات البلقان، وكذلك الأعمال الأدبية التي تعكس صورة جيّدة للثقافة العربية الأصيلة. هناك أحياناً عدم تجاوب من بعض أصحاب حقوق النشر، معتقدين بالخطأ أنّ هدفنا تجاري، والحقيقة غير كذلك؛ فهدفنا هو نقل العلوم الشرعية والتراث والثقافة العربية إلى لغات البلقان لا غير، وعندما تتكاتف الجهود بتقديم الدعم من خلال طباعة تلك الأعمال، فإنّنا لن نألو جهداً في سبيل ترجمة الكثير من الأعمال المفيدة، بل إنّ لدينا العزيمة والإصرار لمواصلة هذه الجهود. 


■ نُلاحظ أنّ الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنَين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي. كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوُز هذه الحالة؟

- بالنسبة إلينا الأمر بالعكس، هدفنا هو نقل الإنتاج المعرفي العربي في كلّ العلوم وفي كلّ مناحي الحياة. ولكنّ هذه الطريق شاقّة وتحتاج إلى الكثير من الوقت. نحن، بالفعل، بدأنا ولن نتوقّف عند الترجمة للأدب، بل إنّنا سننفتح على كلّ الإنتاج المعرفي، وبالأخص ذلك الإنتاج الذي يعكس دور العرب في الحضارة الإنسانية في الماضي والحاضر. ما يهمّنا في المقام الأوّل هو نقل صورة حقيقة عن الإسلام والعرب إلى الثقافات الأُخرى؛ فهما مرتبطان ارتباطاً لا يقبل التجزئة؛ فالقرآن بلسان عربي مبين نزل على نبي عربي لم يكن له مثيل في العالمين، أرسله الله رحمة للعالمين برسالة عالمية خاتمة وشاملة لكلّ البشرية، بلّغ الرسالة صلّى الله عليه وسلّم وأدّى الأمانة ونصح البشرية ودعاها إلى الإسلام. دورنا أن نُذكّر من نسي من الأمم الأخرى ما هو الإسلام وما هي علاقته باللغة والثقافة العربيتين.

لا يجمعني بعدُ تعاوُنٌ مع مؤسّسات أو أفراد في العالم العربي

■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد؟ وما شكل التعاون الذي تتطلّع إليه؟ 

- بكلّ أسف، لا يوجد أيّ تعاوُن بيني وبين مؤسّسات أو أفراد في العالم العربي، لكن لديّ رغبة شديدة في التعرّف إلى بعض المؤسّسات التي بإمكانها تقديم المساعدة والدعم لترجمة الإنتاج الفكري العربي الهادف، وأرجو، من خلال هذا اللقاء، أن يصل صوتي إلى تلك المؤسّسات، وإلى مدراء مراكز البحوث العربية، وأن يُمكّننا من فتح قنوات التواصل للمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية لمراكز الأبحاث والترجمة العربية، وسأكون سعيداً بالتواصل مع الجهات الداعمة لهذا المشاريع.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهمّ أن يصل إلى العالم؟

- يمتاز الأدب العربي بسمات عظيمة، ويُعتبر امتداداً لتاريخ ثقافي غنيّ، وهو مدعوم بلغة عظيمة استوعبت كلّ ما يدور في خاطر الإنسان العربي، وإنتاج علمي يساعد على تنمية قدرات المتلقّي الذهنية. بهذه اللغة سَجّل الأدبُ العربي وقائع حياة العرب وفلسفاتهم المعيشية في صورة بليغة، وبها تميّزوا عن الأمم الأُخرى، فكانوا أهل الفصاحة والبيان، ورفع الله سبحانه وتعالى من شأنها فاختارها لتكون لغة القرآن. ولهذا من المهمّ أن يصل الفكر العربي الأصيل إلى الثقافات الأُخرى، ليكون نموذجاً عظيماً، ويمحو الصورة السلبية الخاطئة التي صنعها أعداء الأمّة، ويعكس سموّ أمّة انطلقت من بيت عربي، وحملت على عاتقها تبليغ رسالة عظيمة لكلّ البشرية من أجل خير البشرية.



بطاقة

مُترجم من مواليد كوسوفو عام 1979، تخرّج من "جامعة الأزهر" في القاهرة عام 2003. من ترجماته إلى البوسنية: "الدخيل في تفسير آي التنزيل" لجمال مصطفى عبد الحميد النجّار، والأعمال الكاملة لمحمود درويش التي صدرت عن "دار هوريزنتي" في مدينة توزي بالجبل الأسود عام 2023، ويترجم حالياً كتاب "تفهيم القرآن" للباكستاني أبو الأعلى المودودي. وهو مستشار المفتي العام لشؤون الأوقاف الاسلامية ومفتٍ في عاصمة الجبل الأسود.

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية
المساهمون