بحث
تعذّبَتْ هذه الليلة الذكرياتُ القديمة
استُنْفِدَت هذه الليلة آخرُ الانتظارات
ينحني الليل بكآبة على نفوسنا
ونحن عبثاً نبحث عن ومضةِ شمس
وحدنا بكلّ وحدتنا في ارتعاشات الشتاء
نَنْشدُ بعض الدفء في الرماد المُتناثر
خسرنا مَرآنا في عيون لامعة برّاقة عابرة
نبحث عن انعكاسات ميِّتة في بُحيرات قد جفّت
كلّها تركَتْنا سريعاً ـ الصنوبراتُ الشواطئ الرمليّة
صفيرُ الهواء المُلامَساتُ وساحات النضال
لكنّنا ندرك جيّداً أنّه قبل بزوغ الفجر
ستعود وتُولد الترقُّبات والآمال ستكثر.
■■■
حين في الطرقات
حين كانت تُدوِّي في الطرقات الطُّبول
كان الرجوع يقتل الآمال
أُمسكُ بيدكِ في الظلام
وأسير
أنتِ ونجمتان صمدتا في الحياة
رفاق دربي الوحيدِين
الخُطط التي لم أتمكّن من رسمها
وخیالات الغيمة عند الغروب
تطبع المسيرة الانحداريّة
لم يبق إلّا أن نضطجع في الحقل
ونحبَّ أوّل زهرةِ آذار لم تقطفيها
مَن أحبُّونا ماتوا قبل أن يكرهونا
مَن كُنّا سنحبُّهم طوَّعهم المنطق
أولاداً حين كنّا لم نلعب قطّ
مُراهقین لم نبكِ
حين صرنا رجالاً نسينا الضحك
كيف تريدون أن نتوقّف عن الحنين
تجلسين على الصخور وتقضمين عشبةَ "مريرةِ الجذور"
ويهبّ نسيم الصمود في الحياة من فُتحتَي عَينيكِ
سُلوكي سلوك الشعراء الإنكليز المقتولين الذين قرأتهم في الكتب
أفكّر بالذين رحلوا عنّا بصمت وكثرةِ لباقة
آخرون فُقِدوا في سُفن غارقة آخرون أبادتهم أوبئة بغموض العِرافة
آخرون اغتِيلوا
نحيا في ملكوت الشتات
كلُّ يوم هو امتداد عابر
كلَّ مساء يبتغي العشّاق زوايا مخفيّة
كلُّ إنسان يكتشف في لحظة استحالة الرجوع
لكن لا يُقاوم، يكتسب عاداتٍ
يُشابك سائله المنويَّ مع نساء جديدات
يُخضع ذاكرته لاستئصالٍ مُتواصل
وأخيراً يرحل عنّا.
حين في الطرقات تُدوّي الطبول من جديد
سأقتلع صوتي
وسأحبّ مرّتين شكل صمتك.
■■■
الصوت والشاعر
صوتٌ ينطفئ في ناصية الشارع
صوتٌ يُضيء في الطوابق العليا سينزل السلالم رويداً
رويداً سيُلامس الأرض سيتوارى
في الأرض سيغور أكثر فأكثر
ستدُوسه وحوشٌ ضارية، عَتَلاتٌ، عجلاتُ
سيّاراتٍ، حديدٌ وإسمنت وجَرْسُه
سيختلج كالنار سيُشبه شكوى
العشقِ سيُجعّدُ الصمتَ زيتٌ مُرَاق عليه
سيركع الشاعر برفق
سيحفر التراب
سيأخذ الصوت بيده
ليزرعَه في الأَصيص
في الربيع ستُزهر أصواتٌ صغيرة كثيرة.
■■■
برج بابل
لسنوات تُجاهد في البناء
الموادُّ متنافرةٌ، الكلماتُ
مثقوبة، لا مدى لها
زُمرةٌ فجواتُ التداعياتِ
وأنت تَنشد الكماليّة
معجِزٌ إصلاحُك تفكّر
كلّ مرّة بقصّة
ذلك البرج الشهير
لكن تُسمَع أحياناً
طقطقاتٌ مُبهمة
وغريبة
وسط الظلام
فوقك سماء متوعِّدة
سقفٌ
رَطْب على وشك السّقوط
إنّه الوقت الذي تعود
فيه الملائكة إلى مساكنها.
*ترجمة عن اليونانية: روني بوسابا
بطاقة
شاعر ومترجم يوناني، ولد في مدينة ثيسالونيكي عام 1921، ورحَل فيها عام 2006. له عشَرة دواوين شعريّة والعديد من الترجمات الشعريّة والمسرحيّة. نال العديد من الجوائز كانت آخرها "جائزة أكاديمية أثينا" عام 2005.