من بين المثقّفين الفلسطينيين المعاصرين، يُعَدّ الشاعر والمربّي الراحل عن عالمنا هذا العام، حنّا أبو حنّا، من أبرز الشاهدين على ما عاشه بلده خلال قرن من الزمان تقريباً، منذ ثورة عام 1936، مروراً بالنكبة، حيث كان في العشرين من عمره، وصولاً إلى النكسة، وما تلاها من حروب واعتداءات صهيونية على أراضي فلسطين، وليس انتهاءً بالانتفاضتَيْن وما تلاهما من نضال فلسطيني ضدّ الاستعمار الاستيطاني "الإسرائيلي".
مساء أمس الثلاثاء، عقدت "جمعية الثقافة العربية" في حيفا، وعائلة أبو حنّا، أمسية تأبينية تكريماً لصاحب "عرّاف الكرمل"، الذي غادرنا في الثاني من شباط/ فبراير الماضي عن أربعة وتسعين عاماً (1928 في الرينة، قضاء الناصرة ــ 2022 في حيفا)، وتكريماً لمسيرته وإضافته إلى الثقافة والأدب الفلسطينيين، وهو الذي يُعَدّ من الجيل الأوّل من شعراء المقاومة الفلسطينيّين الذين تركوا أثراً في الأجيال اللاحقة.
حضر الأمسية جمهورٌ واسع، إضافة إلى عدد من المثقّفين الفلسطينيين والشخصيات السياسية، وكذلك بعض من طلّاب أبو حنّا الذين درّسهم في "الكلّية الأرثوذكسية العربية"، وتضمّن التكريمُ كلماتٍ حول مسيرة الراحل، وقراءات من شعره، وفقرات فنّية، بعد أن افتُتحت بدقيقة صمت حداداً على روحه.
في كلمته، تحدّث الكاتب ورئيس الهيئة الإدارية في "جمعية الثقافة العربية"، أنطوان شلحت، عن تأثير أبو حنّا في الثقافة الفلسطينية، جامعاً هذا التأثير في نقطتَيْن أساسيّتين: إبداعه في مسيرة وتاريخ الأدب الفلسطيني، والإرث الذي تركه في حقل دراسات التراث الفلسطيني، وهو إرثٌ وصفه شلحت بـ"المهمّ للغاية في التاريخ الفلسطيني وفي العلاقات بين الأجيال الفلسطينية المتعاقبة".
وأضاف شلحت: "لحنّا أبو حنّا إسهامٌ عصيّ على النسيان، وهذه الأمسية تأتي لكي تحيي هذا الإسهام ولكي تعيد التذكير به أمام الأجيال المتقدّمة بالسن وكذلك أمام الأجيال الشابّة، من أجل أن يستمرّ توالد هذا الإرث في كتابة التاريخ الفلسطيني".
من جهته، أشار الكاتب ووزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، في كلمته، إلى أن أبو حنّا كان "من جيل روّاد الثقافة الفلسطينية الذين كانت لهم إسهامات في فترة ما قبل النكبة، واستمرّ بعد ذلك في إعادة بناء وبعث الهوية الفلسطينية"، منوّهاً بأعماله في الشعر والسرد وفي الكتابة عن التراث الوطني الفلسطيني.
وأضاف أبو سيف أن رحيل أبو حنّا "شكّل خسارة كبيرة للثقافة الفلسطينية"، حيث ساهم شعره، إلى جانب شعر مجايليه، في إعطاء القصيدة "دوراً كبيراً في الدفاع عن الأرض والإنسان وعن حكاية الشعب الفلسطيني في هذا الوجود وعلى هذه الأرض".
وذكَر المؤرّخ وعضو إدارة "جميعة الثقافة العربية"، جوني منصور، أن "الكلمة التي سطّرها أبو حنّا بحبر فكره باقية بيننا لأجيال وأجيال"، متمنّياً "أن تكون هذه الأمسية مصدر تأمّل لذكراه، مصدر تأمّل وتذكّر وذاكرة ترافقنا لسنوات طوال".
وتوجّه منصور إلى أبو حنّا وإرثه بالقول: "حين يصبح الوطن تهويمة في البلاد يأتي عطاؤك (...) ليثبت أنّنا هنا، نربط ماضياً بحاضر ونرنو إلى الآتي الجميل. ولأنك محبّةٌ دائمة وعطاء، ولتكاتفك معنا، نرفع لك آيات الامتنان والعرفان".