في وَهْم "هو" أو في فهم "ذلك"
جاء في "سبعون شاهدة قبر" أنّ "الخطّ هو دائرة الجهل". يجبُ ألّا نكون مسرورين بهذه الدائرة. حتى أمام "لا مكان"، يجب أن نترك "لا". إذا كنتُ أعرفُ ما هو الزمان لتركتُ أمامه ذلك. على الرغم من أنّي أعرفُ الأزل أفضل من الأبد، فأنا في الغالب من أهل "لا"؛ وكما قال الحلّاج "هويّتنا في لائيتنا". الإنسانية اليوم يجب أن تقدّم امتنانها للحلّاج الذي ترك "لا" أمام "هو".
الجميع يبحثون عن هويّتهم، وهُم يقتَتِلون في هذا البحث، ويتفاخرون بالهويّات العِرقية، والهويّات الدينية، والهويّات الوطنية، والهويّات الثقافية. في الشرق والغرب وفي الغرب والشرق يُكافح الجميع ليجعلوا من "الانتماء" بربريّة. "هويّتك في لائيتنا". يجبُ أن نفهم هذا الكلام للحلّاج، وبقيّته التي يراها شمسُ التبريزي "اكتشاف الآخر".
يجب أن نكون قادرين على إزالة أنفسنا. في الآخر بالذات. فلنُزِل أنفسنا في الآخر، ونتعلّم أن نكتشف "ذلك" في أنفسنا، بدلاً من البحث عن "هو"؛ و"ذلك" هو "الآخر" . صعد الحلّاجُ إلى المشنقة من أجل هذه الأيديولوجية الإنسانية.
ما الفائدة في أن نشيد بالحلّاج دون أن نتفهّم تفكيره؟ كلّ هذا الأدب لمشنقة الحلّاج، سواء كان شعراً أو رواية، إذا لم يُعلّمنا إزالة الهويّة والقضاء على الانتماء سيُصبح مرآةً للعُنف والوحشيّة وحبّ القتل وقطع الرؤوس والرُّعب.
■■■
تذكُّّر مقولة أراغون
في النقد وخاصةً في نقد الشعر، الشائعُ هو أنه في عمَل الشاعر يتمّ البحثُ عن أثر الشعراء فيه، حتى تُرفَع هذه الراية كأنها عيبٌ أو نقصٌ في العمل. وهذا ما يُذكّرني دائمًا بالشاعر الفرنسي العظيم لويس أراغون الذي يرى نفوذ عُظماء الشعر قدرةً فنّية.
رأيتُ لويس أراغون لأوّل مرّة على أرصفة كورنيش سان جيرمان، في أيلول/ سبتمبر 1981. كنتُ مع نادر نادربور وحامد فولادوَنْد (الشابّ الوسيم الذي كان رفيق أراغون في سنواته الأخيرة). قدّمنا حامد له كاثنين من "أكبر الشعراء في اللغة الفارسية"، وعندما رأى أراغون أنّنا من إيران دعانا هناك، إلى الطاولة التي تُرِكت فارغةً تحت الشمس على الرصيف. جلسنا ودون أيّ مقدّمة أبدى انبهاره بسعدي وتحدّث كثيرًا. نادربور الذي كان يعرف الشعر والأدب الفرنسيّين بشكلٍ جيّد قال: "لقد رأيتُ العديد من أثر سعدي في أعمالك وكذلك في مجموعتك 'عينا إلزا'".
في الشرق والغرب يُكافح الجميع ليجعلوا من "الانتماء" بربريّة
قال أراغون: "لقد تأثّرت بجميع العظماء في العالَم".
ونادربور الذي ظنَّ للحظة أنه أخطأ في التعبير غيَّر الحديث عن إلزا وقال: "لكنّ تأثير إلزا الكبير لا يُمكن تجاهُلُه. لقد ألهمتك عينا إلزا في مُعظم قصائدك".
قال أراغون: "نعم. لا أعرف لماذا. مع أنَّ عينيها لم تكونا جميلتين".
ابتسمنا قليلًا. لأنّنا لم نكُن نعرف ما إذا كُنّا نضحك أو نقول له أرجوك يا أستاذ.
قال هذا وعاد مرّة أُخرى إلى الحديث عن سعدي، ولم نقل أيّ شيء حتى النهاية. نهضنا وشكرناه.
قلتُ: "سأُعيد قراءة سعدي. كن متأكّدًا".
وكانت يدُه على كتفي؛ ومنذ قوله: "اقرأ اقرأ. اقرأ العظماء فقط وتذكّر أنّني تأثّرت بجميع العُظماء في العالَم".
حتى الآن وأنا في حيرة، هل كان ذلك تواضُعًا أم ادّعاء.
* ترجمة عن الفارسية: حمزة كوتي
بطاقة
يد الله رؤيايي؛ شاعر إيراني من مواليد دامغان عام 1930. صاحب نظرية "شعر الحجم" في الشعر الفارسي المُعاصر، صدر له في الشعر: "سبعون شاهدة قبر"، و"ما تساقط عن الشفاه"، و"عن أحبك"، و"قصائد البحر"، و"في الطُّرق الفارغة"، وفي نقد الشعر: "هلاك العقل أثناء التفكير"، و"عبارة عن ماذا"، و"الوجه الخفيّ للحرف"، و"المصطبة الحمراء". رحل في باريس في 15 أيلول/ سبتمبر 2022.