إذا كانت الثورة الفرنسية قد لعبت دوراً كبيراً في تغيير المشهد السياسي في أوروبا بدءاً من نهايات القرن الثامن عشر، فإن الحياة الفكرية والأدبية والفنّية في القارّة تدين، بشكل كبير، إلى الرومانتيكية، هذا التيّار الذي قلّما سجّل التاريخ تأثيراً وتجديداً في الأدب والفكر مثل تأثيره وتجديده.
عن منشورات "ألفرد أ. كنوبف" في الولايات المتّحدة، صدر حديثاً بالإنكليزية كتاب "المتمرّدون الرائعون: الرومانتيكيون الأوائل وابتكار الذات"، للمؤرّخة الألمانية أندريا وولف.
تُدافع المؤلّفة عن فكرة يشترك فيها العديد من مؤرّخي الأفكار: إننا ما زلنا نعيش اليوم في عالَم الرومانتيكيين. وهي تأخذ مثالاً على ذلك يتمثّل بمفهومهم للذات، الذي ترى أن مجتمعاتنا المعاصرة لم تتلقّفه من غوته وأصحابه فحسب، بل انبنت إلى حدّ كبير حوله.
ضمن لغةٍ سردية، تسجّل وولف، في أربعة أقسام وعشرين فصلاً، سيرة "الحلقة الرومانتيكية الأولى" وأبرز نقاشات أعضائها وأفكارهم: من الشعراء غوته وشيلر ونوفاليس، إلى الفلاسفة هيغل وفيشته وشيلينغ والأخوين شليغل، وانتهاءً بعالِم الطبيعيات هومبولت. نقاشاتٌ ولقاءاتٌ احتضنتها مدينة يينا الألمانية خلال مدّةٍ استمرّت أكثر من عقد الزمن (من 1794 إلى 1806).
وبالاستناد إلى عدد واسع من الوثائق (من مراسلات هؤلاء المؤلّفين بين بعضهم أو مع غيرهم، ومن سيَرهم الذاتية، ومن الكتابات التي نشروها في ذلك الوقت، إن كان في مجلّتهم "Athenaeum" أو في كتب، بالإضافة إلى الردود على كتاباتهم هذه) تقدّم وولف وصفاً مفصّلاً للنحو الذي تحوّل فيه مفهوم الذات إلى فكرة مركزية في النقاش الأدبي والفكري في ألمانيا في ذلك الوقت، ومن ثم البلدان المجاورة؛ وهي نقاشاتٌ يمكن اختصار مقولة الرومانتيكية الأولى فيها بعبارة فيشته: "الذات هي مصدرُ كلّ الواقع".
وتتابع المؤلّفة التمظهرات الذي اتخذتها هذه الرؤية في مختلف منشورات الرومانتيكيين الأوائل، وكذلك في ظواهر اجتماعية مثل الحب، والعائلة، والتعليم، والعلاقة بالآخرين، حيث راحت تصعد قناعات جديدة حول الفردانية، واستقلالية الفرد، وإرادة المرء وحرّيته في ما يخصّ اختيار طريقة عيشه (وحتى مماته)، وهي قناعات راحت تتزايد بفضل روايات غوته أو فلسفة فيشته حول الأنا، وكتابات غيرهم من الرومانتيكيين.