في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين دراسات الجندر والثقافة والفلسفة وأبحاثٍ في الأدب والسرد، إضافة إلى مراسلات ونصوص قصصيّة.
■ ■ ■
ضمن سلسلة "ترجمان" لدى "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت ترجمةُ كتاب "قلق الجندر: النسوية وتخريب الهوية" للباحثة الأميركية جوديث بتلر، بتوقيع المفكّر التونسي فتحي المسكيني. يفحص الكتاب أهمّ فرضيات النظرية النسوية التي تقول بوجود هوية نسوية، ويتحدّى الفرضيات حول الاختلاف بين الجنس والجندر، التي تقول بأن الجنس شيء بيولوجي، وأن الجندر بناءٌ ثقافي، حيث تؤدّي هذه التفرقة إلى حدوث انفصام في شيء من المفترض أنه واحد، كما يسعى إلى تقويض أي خطاب لنزع المشروعية عن الممارسات الجنسية والمجندرة.
"الهمجية.. زمنُ علمٍ بلا ثقافة"، عنوان النسخة العربية من كتاب الفيلسوف الفرنسي ميشيل هنري، والتي صدرت حديثاً عن "دار الساقي" بترجمة جلال بدلة. يرى المؤلّف أن الثقافة أحدثت انقلاباً حجَب الجوهر المُتعالي للحياة، ما دفعه إلى إعادة التفكير في ما كان مخفياً مِن الفكر الحديث، من خلال طرحه السؤال حول الكيفية التي تجري بها استعادة ما جرى نسيانه وإخفاؤه مِن الحياة المتعالية وإرجاع هذا الجانب المخفي مرّة أُخرى إلى التفكير، ولماذا يتباعد العلم والثقافة في مواجهة وجودية حتى الموت، تسبّبت بانفجارٍ عِلمي مقابل خراب الإنسان.
يعتقد الناقد لي سيغل في كتابه "لماذا الجدل مهم"، الصادر حديثاً عن "منشورات جامعة ييل"، بأن الحجج تُعدّ مركزية بالنسبة إلى الخيال، مشيراً إلى أن الحجة عند البشر، في سياق مواجهة عصر الذكاء الاصطناعي، تكمن أهمّيتها في تجاوزها احتمال الفوز أو الخسارة وفي تحميلها الأفكار والمشاعر، كما يرى أن الحجج مبرّراتٌ لأساليب العيش، وهي مثل الفن تتكوّن من عمليات إبداعية، مستعرضاً نماذج مثل ما كتبته فيرجينيا وولف حول منهجية رينيه ديكارت، أو أفكار جون لوك حول المنطق، في إطار تحليله للّغة في أكثر صورها تحرّراً وتعبيراً.
بترجمة خيري الضامن، صدر مؤخراً عن "دار الجمل" كتاب "الرسائل 1875 - 1904"، والذي يجمع مراسلات الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، والتي ترسم مجمل مسيرته، بما أن الباحثين في سيرته قد نجحوا في توفير رسائل تعود إلى سنوات دراسته وصولاً إلى رحيله. كما يظهر أسلوب كتابة الرسائل تحوّلاته الأدبية بين فترة الاهتمام بالكتابة للمسرح ثم الانتقال إلى الكتابة القصصية التي شغلته في العقدين الأخيرين من حياته. وتضمّ الرسائل توضيحات حول مشاريع تأليف أبرز هذه القصص؛ مثل "الرهان"، و"الوجبة"، و"وفاة موظّف"، و"المبارزة".
عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، صدر مؤخّراً كتاب "بكوات لينين الرملي"، والذي يضم ثلاثة نصوص مسرحية للكاتب المصري الراحل؛ هي: "أهلاً يا بكوات" و"وداعاً يا بكوات" و"اضحك لمّا تموت"، كلّ واحد منها مرفق بتقديم الكاتب المصري جرجس شكري، إضافة إلى دراسة شاملة حول مسرح الرملي. يفسّر شكري ضمّ المسرحيات الثلاث في كتاب واحد بأنها جميعاً تحلّل العلاقة مع الزمن؛ ففي "أهلاً يا بكوات" يعالج مسألة الخوف من الماضي، وفي "وداعاً يا بكوات" يرسم هواجس المستقبل، فيما يشتغل في "اضحك لمّا تموت" على الشعور بانهيار الحاضر.
"نقد العقل السئِم"، عنوان كتاب صدر حديثاً عن "منشورات جامعة كولومبيا" بتوقيع الباحث ديميتري نيكولين. ينطلق المؤلّف من ملاحظة أن التراث الفلسفي أهملَ سؤال الملل، الذي يعتبره ظاهرة حداثية بامتياز. من خلال قراءة جينيالوجية، يُعيد نيكولين تركيب مفهوم الذات في صيغته الحديثة التي أتاحت ظهور السأم كعلامةٍ من علامات المتجمع الحديث. ذاتٌ يقدّمها فلاسفة مثل كييركيغارد وكانط بوصفها عقلانية، مستقلّة، وفاعلة شبه وحيدة في عالم من الأشياء والكائنات اللاعقلانية، ما يدفع بها إلى الوحدة والعزلة، وبالتالي الملَل.
بترجمة جلال العاطي ربّي، تصدر هذه الأيام، عن دار "صفحة سبعة"، النسخة العربية من كتاب "مديح القارئ السيّئ" للأكاديمي الفرنسي مكسيم ديكو. يقدّم المؤلّف تحليلاً نقدياً للتلقّي والقراءة بوصفهما تفسيراً، أي بحثاً عن حقيقة النصّ. بعد اقتراحه تاريخاً لظاهرة القارئ الجيّد منذ ولادتها، ينظّر ديكو لشروط انتقاله إلى قارئ سيّئ لا يخجل من تأثيره على النص، وهو ما يتيح إعادة خلقه. ليست القراءة السيئة قراءةً خاطئة أو فاشلة، يقول ديكو، بل قراءة تختار لنفسها طرقاً ملتوية وأساليب يهملها أو ينتقص منها القرّاء الجيّدون.
عن منشورات "أورودي" الفرنسية، صدر كتاب "الأدب بوصفه طاقةً" للباحث إريك بونوا. يقرأ المؤلّف ثلاثة قرون من الأدب الفرنسي والأوروبي على ضوء ثيمة الطاقة، التي يمكن من خلالها استعراض هذا الأدب موضوعاً وأسلوباً. ينطلق بونوا من تأثيرات نظريات الطاقة، مثل الديناميكا الحرارية، على العديد من الأعمال المنشورة في القرن التاسع عشر، والتي نظر مؤلّفوها إلى الكتابة بوصفها تحريراً لطاقة كامنة، كما يُعالج سؤال القراءة بوصفها طاقة مضافة إلى المكتوب أو إلى حياة القارئ. تساؤلٌ يقوده إلى فتْح النقاش على قضايا الأخلاق والوجودية.
"الحكاية الخرافية: ألف ليلة وليلة تحت مجهر السرد"، عنوان كتاب صدر مؤخّراً عن منشورات "أبجد" للباحث العراقي عبد الله إبراهيم، الذي يطبّق النظريات السردية الحديثة على نصّ تراثي مثل "ألف ليلة وليلة". يندرج الكتاب ضمن مشروع إبراهيم في دراسة المادّة السردية العربية في مختلف وجوهها، وضمنها صدرت له مؤلّفات أخرى، منها: "السرد النسوي: الثقافة الأبوية، الهوية الأنثوية، والجسد"، و"التخيّل التاريخي: السرد والإمبراطورية والتجربة الاستعمارية"، و"أعراف الكتابة السردية"، كما صدرت له "موسوعة السرد العربي" في تسعة أجزاء.