استمع إلى الملخص
- يبرز الكتاب فجوة المعلومات التي تعيق فهم طبيعة الدولة العربية وهشاشتها، مشيرًا إلى ضرورة استدراك النموذج الخلدوني ليشمل التغيرات الحديثة على المستويين المحلي والعالمي.
- يؤكد البحث قدرة النموذج الخلدوني على تفسير الحالتين اليمنية والتونسية، لكنه يشير إلى قصور في بعض المسائل مثل البداوة، دور الدين، الانشقاقات الداخلية، وتأثير القوى الخارجية والاستعمار الأجنبي.
منذ اندلاع الثورة التونسية وهناك اهتمام بحثي من قبل علماء الاجتماع لإعادة قراءة المسبّبات والفاعلين الاجتماعيين في عموم الثورات العربية التالية، ولا شكّ في أن المقولات الخلدونية ما تزال المفاتيح الأولى لأي قراءة اجتماعية، وإن أُلحقت باستدراكات نظرية عديدة نابعة من الراهن، وضمن هذا السياق صدر عن "مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية" التابع لـ"جامعة قطر" كتاب جماعي بعنوان "استدراكات على النموذج الخلدوني: تطبيق على الحالتين اليمنية والتونسية"، بتحرير وتقديم التجاني عبد القادر حامد.
وشارك في الكتاب كلّ من: سارة الصلابي وعبد العزيز الخال وبدران بـن لحسن وحسين نعيم الحق وسارة ناصر، بالإضافة إلى المُحرّر. وينقسم إلى مقدمة وثلاثة فصول، هي: "استدراكات على النموذج الخلدوني: الثورات العربية وانهيار الدولة (2010 - 2020)"، و"استدراكات على النموذج الخلدوني: حالة الدولة الزيدية في اليمن"، و"استدراكات على النموذج الخلدوني: تطبيق على الحالة التونسية".
يُقصد بالاستدراك ما طرأ في الفترة التي تفصل بيننا وبين ابن خلدون من حالات وحركات مؤسسات جديدة
وينبّه الكتاب إلى وجود فجوة في المعلومات لم يتمكّن الباحثون بسببها من النفاذ إلى طبيعة الدولة العربية، وإلى هشاشة القاعدة الاجتماعية التي تستند عليها، ولهذا لم يدركوا أن الدولة العربية آخذة في التآكل، وأن هناك حراكاً يهدد سلطتها. في المقابل ظلّت الوفرة في المعلومات تحضر ولكن من دون إطار نظري مناسب يُمكّن الباحثين من الإحاطة بالظواهر وتفسيرها.
وعليه رأى الفريق البحثي ضرورة استعادة النموذج الخلدوني، في محاولة لإعادة صياغة بعض مقولاته، ومن هنا تولّد مفهوم "الاستدراك"، ويُقصد به ما طرأ في الفترة التي تفصل بيننا وبين ابن خلدون من حالات وحركات مؤسسات جديدة على المستوى المحلي والعالمي، والتي لا بدّ من أن تُراعى.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في منهجها، إذ إنها تسعى في ضوء المقولات الخلدونية إلى تطوير إطار نظري يُساعد على فهم نشأة الدولة العربية الحديثة وأسباب انهيارها، وذلك من خلال تفسير أو إعادة تفسير المعلومات المتوفّرة عن نشأة الدولة في الحالتين: اليمنية والتونسية، كما تسعى إلى تطبيق النموذج الخلدوني على هاتين الحالتين، ثم اختباره والكشف عن إمكاناته التفسيرية، وجوانب القصور فيه.
وانتهى أعضاء الفريق البحثي إلى تأكيد قدرة النموذج الخلدوني، بدرجة كبيرة نسبيّاً، على تفسير الحالتين: اليمنية والتونسية؛ لكنهم لاحظوا أنّ هناك بعض المسائل التي قصر النموذج عن الإحاطة بها، ومن ثمّ يجب أن توضع في خانة الاستدراكات. ومن أهمّ تلك المسائل التي يُمكن الاستدراك فيها على النموذج: مسألة البداوة، ودور الدين، والانشقاقات الداخلية، والدور الذي يُمكن أن تلعبه القوى الخارجية.
ويمكن أن يُضاف إلى هذه القضايا الاستدراكية، وفق الكتاب، قضية ثالثة تتعلّق بظاهرة الاستعمار الأجنبي، فرغم أنّ ابن خلدون تحدّث عن "ذوي السلطان الأكبر" (أي الدول الكبرى) الذين يتسلّطون علـى الدول الصغرى، حينما تبلغ مراحل الشيخوخة، ويسـتغلّونها في خدمة أهدافهم السياسية، إلّا أنّه لم يتصوّر ظاهرة الصراع بين الدول الكبرى ذاتها، وما ينجم عنها من صُور الاستعمار الأجنبي الذي بدأ بعد وفاته بقليل مع صعود الإمبراطورية البرتغالية الأولى في القرن الخامس عشر الميلادي.