قبل أنْ يَنشر محمد عبد المنعم رخا (1920 - 1989) أُولى رسوماته في مجلّة "الفنّان" التي أصدرها الكاتبُ المسرحيُّ محمد يونس القاضي (1988 - 1969) نهايةَ عشرينيّات القرن الماضي، كان فنُّ الكاريكاتير يبدو وكأنّه مجالٌ مستعصٍ على المصريّين؛ إذْ كان جميعُ رسّاميه في الصحف والمجلّات المصرية، خلال تلك الفترة، أجانب؛ وأبرزُهم الإسباني خوان سانتوس (1881 - 1945) في مجلّة "الكشكول"، والتركي علي رفقي في منشورات "دار الهلال" مثل "المصوّر" و"الفكاهة"، والأرمني ألكسندر صاروخان (1898 - 1977) في "روز اليوسف".
كانَ لكلّ من الرسّامين الثلاثة، الذين يُعدُّون مُؤسِّسي مدرسة الكاريكاتير المصرية، أسلوبٌ خاصٌ تأثّر به رخا الذي راح يتساءل، وهو يتّجه إلى دراسة الرسم في "مدرسة دافينشي" الإيطالية بالقاهرة (سيتخرّج منها عام 1927): هل الكاريكاتير لغزٌ مستعصٍ على المصريّين؟ وكان عليه أنْ يُقدّم إجابةً عمليةً بالنفي حين بدأ ينشر رسوماته في "الفنّان" التي لن يستمرّ صدورُها سوى لأعدادٍ قليلة.
بعد إغلاق مجلّة يونس القاضي، أخذ رخا ينشر رسوماته في مجموعةٍ من المجلّات الأسبوعية في وقتٍ واحد، من بينها "المصري" و"الصباح" و"أبو الهول" و"المستقبل" و"المسرح"، ليبرُز اسمُه كأوّل رسّام كاريكاتير مصري، ولم يكُن حينها قد بلغ الثامنة عشرة من عُمره. محطّتُه المقبلة، والفارقة في تجربته، كانت مجلّةَ "الإثنين" مع تولّي مصطفى أمين (1914 - 1997) رئاسةَ تحريرها عام 1941؛ حيث وصل عدد رسوماته المنشورة في العدد الواحد منها إلى أكثر من عشرة أعمال. ولاحقاً، عام 1944، أسهم مع أمين - الذي وصفه بأنّه "أوّل مصري ينبغ في فنّ الكاريكاتير" - وآخرين في تأسيس مجلّة "أخبار الأدب" التي بقي فيها حتى رحيله. وخلال تلك الفترة، انتشرت رسوماتُه في عددٍ من المجلّات المصرية الأُخرى؛ مثل "الجيل" و"آخر ساعة" و"روز اليوسف".
سعى إلى تمصير فنّ الكاريكاتير بتبنّي هموم المصريّين وقضاياهم
تناول محمد عبد المنعم رخا، في كاريكاتيراته، هموم المصريّين وقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ضمن توجُّه لـ"تمصير" فنّ الكاريكاتير؛ مِن خلال النكتة اللاذعة والشخصياتٍ "البلدية" التي تبدو أكثر قرباً من البسطاء؛ فابتكر شخصياتٍ أيقونية مثل: "ابن البلد"، و"بنت البلد"، و"رفيعة هانم"، و"السبع أفندي"، و"حمار أفندي"، و"ميمي بك"، و"قرفان أفندي"، و"غنيُّ الحرب".
وبسبب واحدةٍ من رسوماته اللاذعة تلك، حُكم عليه بالسَّجن لتسعة أشهر بتهمة "إهانة الذات الملكية" منتصف الثلاثينيات. ومِن المفارقات أنّ الملك فؤاد (1868 - 1936) مات بينما كانَ رخا يهمُّ بالخروج من زنزانته التي كان عبّاس محمود العقّاد رفيقه فيها، فنُسي أمرُه، ولم يُفرَج عنه إلّا بعد مرور أربع سنوات.
أصدر رخا عام 1946 كتاباً بعنوان ''صور ضاحكة" جمع فيه عدداً من رسوماته، وفي عام 1984 أسّس ''الجمعية المصرية لرسّامي الكاريكاتير''.
هذه المحطّات يستعيدها معرضٌ بعنوان "رخا.. المُعلّم الأوّل" افتُتح في "بيت السنّاري" الأثري بالقاهرة في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري تزامُناً مع ذكرى ميلاده الحادية عشرة بعد المئة، ويُنتظَر أن يستمرّ حتى الأحد المقبل.
يضمُّ المعرض، المقام بالشراكة مع مشروع "ذاكرة الكاريكاتير"، مجموعة نادرةً من الرسوم الكاريكاتيرية الأصلية والمصوَّرة والصور الفوتوغرافية الخاصّة برخا، والتي تجتمع لأوّل مرّة في معرض واحد، إلى جانب العرض الأوّل لفيلم وثائقي يتناول حياته الشخصية والفنّية بعنوان "رخا.. المعلّم الأول". كما يُقام معرضٌ للأعمال المشاركة في مسابقةٍ بالعنوان نفسه؛ وهي 135 عملاً أنجزها 115 رسّام كاريكاتير من 32 بلداً، وورشة تدريبية للأطفال بعنوان "تعلُّم مبادئ البورتريه الكاريكاتيري" يُقدّمها الرسّام عماد عبد المقصود.