تُلخّص المعارض الجماعية خصائص عديدة للمشهد التشكيلي في بلدٍ ما، أو تيار فنّي بعينه. هي شكلٌ من أشكال التوثيق الجمالي أوّلاً، لكنّها سرعان ما تتخطّى ذلك الإطار، صوب معاينة أدقّ للواقعَين الاجتماعي والسياسي أحياناً، فتعبّر عنهما، وإنْ بشكل غير مباشر.
وفي الحالة السودانية، تأثّرت الحركة التشكيلية مع الاضطرابات السياسية، فنراها تعكس صوت الناس، كما حدث ذلك في وقت قريب، مع اشتعال الثورة السودانية عام 2019، وتحوُّل المدن بجُدارنها إلى معارض مفتوحة، تصوّر تفاصيل الحركة الاحتجاجية ورموزها من نساء ورجال.
"اضطراب في النيل" عنوان المعرض الجماعي الذي افتُتح الأربعاء الماضي، في فضاء "بروتيريا" الثقافي بالعاصمة البرتغالية لشبونة، ويتواصل حتى الثامن والعشرين من تموز/ يوليو الجاري؛ في محاولة للإضاءة على المسار الذي اتّخذه التشكيل السوداني، وأيّ الصيغ والأشكال أنتج، طيلة ثلاثين عاماً من الحُكم العسكري (1989 - 2019).
ينفتح المعرض على تنوّعٍ مدرسي وجِيلي واضح، حيث يُشارك فيه تسعة فنّانات وفنّانين، يمثّلون في أعمالهم توجّهاتٍ وقراءات متعدّدة لحاضر البلاد، وهم: راشد دياب، وريم الجعيلي، والطيب ضو البيت، وياسمين عبدالله، ومحمد عتيبي، وطارق نصر، ووليد محمد، وأبو بكر معاذ، وميسكا محمد.
تستقرِئ لوحات الجيل الأكبر من المشاركين، مثل راشد دياب ومحمد عتيبي والطيّب ضو البيت، الطبيعة السودانية، وتستلف منها موضوعاتها وألوانها، حيثُ تبدو أعمال هؤلاء التشكيليين مشدودة إلى غلالة صحراوية، يطغى عليها اللون الذهبي.
أمّا أعمال الجيل الشابّ، مثل ريم الجعيلي وميسكا محمد وياسمين عبدالله، فتستحضر الذات المُفردة والوحيدة، في إشارة إلى الأجواء الاجتماعية التي أحاطت بهذا الجيل، نتيجة واقع سياسي أكبر. في حين تتوزّع لوحات طارق نصر ووليد محمد وأبو بكر معاذ في رصد الوجوه وملامحها بين الرِّقّة والقسوة.
يُشار إلى أنّ ندوةً ستُعقد على هامش المعرض، عند السابعة من مساء الخميس المُقبل، بعنوان "الحرب والثورة في المشهد السوداني الفنّي المُعاصر"، يقدّمها الباحث رحيم شداد، ويتناول فيها واقع التشكيل في ظلّ حرب الجنرالات الدائرة اليوم في السودان.