بعد يومَين مِن بدء تداوُل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوَراً تُظهر تحطيم لوحةٍ فسيفسائية اكتُشفت حديثاً في مدينة جيجل شرقيّ الجزائر، أطلَّ مسؤولٌ في وزارة الثقافة الجزائرية، الخميس الماضي، ليعترف بأنَّ القطعة الأثرية قد تعرّضت لتخريبٍ "شبه كلّي".
بدأت القصّة يوم الثلاثاء الماضي مع انتشار صُوَر وفيديوهاتٍ تُظهِر الفسيفساء التي اكتُشفت خلال قيام أحد المواطنين، وسط مدينة جيجل، بأشغال حفر بعد تهديمه بنايةً قديمة ليبني أُخرى مكانَها. بدت القطعة الأثرية في البداية سليمةً ومكتملة، لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى أجزاء.
رغم ذلك، أصدرت وزارة الثقافة في اليوم التالي بياناً قالت فيه إنَّ الوزيرة، مليكة بن دودة، أمرت بإرسالٍ فريق من خبراء "المركز الوطني للبحث في علم الآثار" و"المدرسة الوطنية لحفظ الممتلكات الثقافية وترميمها" و"ورشة الحفظ وترميم الفسيفساء القديمة" بهدف "معايَنة الفسيفساء"، مِن دون أية إشارةٍ إلى ما تعرَّضت له القطعة.
أعطى البيان انطباعاً بأنَّ الوزارة تجهل تعرُّض الفسيفساء للتخريب، أو أنّها تُحاوِل تأجيل الاعتراف بحدوثه، رغم تداوُل صورٍ تؤكّده؛ فقد تحدّث البيان عن "إسداء" الوزيرة "تعليماتها بضرورة وقف الأشغال التي يعرفها الموقع"، كما نفى "تخلّي مصالح الوزارة عن الاكتشاف أو تركه عرضةً للإهمال". وكلُّ هذا الكلام كُتب ونُشر بعد أن تحوّلت الفسيفساء إلى قطعٍ متناثرة.
هل كانت الوزارة المسؤولة عن الآثار تجهل تعرُّض الفسيفساء للتخريب؟
هل كانت الوزارة القائمة على قطاع الآثار في الجزائر تجهل أنَّ القطعة الأثرية تعرّضت للتخريب فعلاً؟ يبدو ذلك مستبعَداً بالنظر إلى أنّ الوزارة تملك مديريةً للثقافة في ولاية جيجل، وهذه المديرية تملك مصلحةً خاصّة بالتراث. وقد قالت، هي الأُخرى، إنّها أوفدت مختصّين إلى موقع الاكتشاف وطلبت وقف أشغال الحفر إلى "غاية استكمال مختلف الإجراءات القانونية المعمول بها"، دون أيّة إشارةٍ إلى التخريب أيضاً.
ومِن اللافت، هنا، أنَّ الباحث في علم الآثار، إلياس عريفي، الذي أوفدته الوزارة إلى الموقع - حيث سيُعلِنُ لاحقاً تعرُّض الفسيفساء لتخريب شبه كلّي - ربط "اكتشافه" بالصور والفيديوهات التي بُثّت على مواقع التواصُل الاجتماعي لحظة العثور على القطعة في وضعٍ جيّد، وهو ما يعني أحدَ أمرَين: أنَّ جميع مصالِح الوزارة لم ترَ الصور والفيديوهات التي تُظهر القطعةَ بعد تخريبها، وأنَّ البيانَ الذي أصدرته وزارة الثقافةِ تضمَّن معلوماتٍ خاطئة، أو أنّه - في أحسن الأحوال - استند إلى معلوماتٍ خاطئة.
لا تكشفُ القصّة فقط عن خللٍ اتّصالي في وزارة الثقافة، بل أيضاً عن حجم الإهمال الذي يعيشُه قطاع الآثار في الجزائر، ومِن مظاهره غيابُ أيّ تنسيقٍ بين مصالِح الوزارة وغيرها مِن القطاعات مِن شأنه حماية الاكتشافات الأثرية... ومِن آثاره تهشيم قطعةٍ أثرية لا تُقدَّر بثمن، بينما كانت الوزارةُ تتحدّث عن إيفاد لجنةٍ لمعاينتها وتحديد فترتها التاريخية.