شهد القرن التاسع عشر انحيازاً جلياً للفلسفة والعلوم الوضعية حيث دفعت العديد من الاكشتافات والاختراعات العلمية لانتقال البشر من مرحلة إلى أخرى، وانعكس ذلك بدوره على المنظومة الاجتماعية نحو مزيد من التحرّر والانفتاح، وعلى الشأن السياسي من خلال مشاركة مزيد من الفئات في صنع القرار.
تغيّر في ذلك القرن تصوّر الإنسان حول نشأته وتطوّره عبر ملايين السنين بعيداً عن الرؤى الميتافيزيقية التي كانت تحكم أوروبا والعالم، وظهرت ابتكارات مهمة في الطب والأدوية ساهمت في تحسّن الصحة بشكل عام وارتفاع معدل الأعمار، إلى جانب انتشار الابتكارات الصناعية وفي مقدّمتها الإنارة والهاتف والآلة البخارية.
"أصول العالم. اكتشاف الطبيعة في القرن التاسع عشر" عنوان المعرض الذي افتتح في الخامس عشر من الشهر الجاري بـ"متحف أورساي" في باريس، ويتواصل حتى الثاني من مايو/ أيار المقبل، حيث يضيء محطّات أساسية في علوم الجيولوجيا والبيولوجيا على مفترق طرق بين العلم والفن، بالشراكة مع "المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي" في فرنسا.
يتوقّف المعرض عند الرحلات الاستكشافية التي قام بها العديد من العلماء الأوروبيين، ومن أبرزهم البروسي ألكسندر فون هومبولت (1769 – 1859) والبريطاني تشارلز داروين (1809 – 1882)، حيث اكشتفت العديد من الكائنات الحيّة، حيث تطوّرت المعرفة بأنواعها وسلالاتها، وصولاً إلى نطريات داروين حول أصل الإنسان والانتخاب الطبيعي.
كما يضاء على الدراسات الأنثروبولوجية التي أدّت إلى نقلة نوعية في فهم أصل الإنسان ومكانته في الطبيعة وعلافته مع الحيوانات في نظام بيئي، ويدرس المعرض أثر ذلك الانفجار المعرفي في اكتشاف آثار العديد من الحضارات القديمة وإنسان ما قبل التاريخ على فناني ذلك العصر في إدراكهم لمعنى الطبيعة بعيداً عن التفسيرات الأسطورية التي كانت شائعة.
يقارن المعرض هنا بين صورة الإنسان في فن عصر النهضة، وبين صورته في القرن التاسع عشر مع اكتشاف الأحافير الطبيعية والبقايا العظيمة التي أثبتت وجود كائنات مثل الديناصورات سكنت الأرض قبل ملايين السنوات وكيف انقرضت بعد ذلك، وغيرها من الاكتشافات بعد عام 1850.
يوضّح المنظّمون أن الفن الحديث أظهر انبهاراً كبيراً بأصول الحياة والتكوين والتطور، حيث تسللت الأشكال أحادية الخلية والحيوانات البحرية والمخلوقات الجنينية والعالم الصغير اللامتناهي لبعض الكائنات وعلم النبات وأعماق المحيطات إلى الأعمال الفنية.