على موقعها الإلكتروني، تضع "الأكاديمية الفرنسية" سيرة ذاتية مقتضبة عن عضوها الجديد، ماريو برغاس يوسا، الذي انتُخب الخميس الماضي، تقول فيها إن "التعطُّش للحرية" يمثّل دافعاً لوجوده، في إشارة إلى أنّ حياته الشخصية ورسالته ككاتب تعبّران عن ثورته على السلطة الأبوية.
تعريف الأكاديمية يطرح تساؤلات عميقة عن رؤيتها للحرية في وصفها للكاتب البيروفي (1936) المؤيّد لـ"إسرائيل" التي زارها عدّة مرّات، والمنحاز لحروب الولايات المتّحدة باسم "الديمقراطية"، فضلاً عن آرائه العنصرية المعادية لسكّان أميركا اللاتينية الأصليّين، والتساؤل كذلك عن معنى التمرّد على السلطة الأبوية، بالنسبة إلى الأكاديمية التي طالما اتُّهمت من كبار الكتّاب الفرنسيّين بتبنّيها أفكاراً رجعية في اللغة والثقافة أيضاً.
كما أنّ انتخابه ليشغل الكرسي الثامن عشر في الأكاديمية، مكانَ الفيلسوف الفرنسي ميشيل سيريس (1930 - 2019)، يثير تساؤلاً آخر حول ورود اسم يوسا ضمن قائمة شخصيات ضمّتها "وثائق باندورا" التي نُشرت العام الجاري، ومن قبلها "وثائق بنما" عام 2016، قاموا بإخفاء ملايين الدولارات عبر تأسيسهم شركات "أوفشور" في جزر العذراء البريطانية بهدف التهرّب الضريبي.
ظهر اسمه ضمن وثائق باندورا التي ضمّت شخصيات متهرّبة ضريبياً
وتتجلّى المفارقة في قيام يوسا بعملٍ مخالف للقانون بعدم دفع الضرائب المترتّبة على عائداته الأدبية، في ممارسة تتشابه مع سياسات الأنظمة الديكتاتورية التي انتقدها في أعماله، حيث سارعت زوجة الديكتاتور، في روايته "حفلة التيس"، إلى تهريب أموالها خارج البلاد حين أيقنت أن حكْم عائلها أوشك على السقوط في الدومينكان بعد اغتيال زوجها. لا تكتفي المؤسّسة الثقافية الفرنسية التي أُنشئت في القرن السابع عشر، بتجاهل كلّ هذه الحيثيات، فانتخاب يوسا يخالف لائحة أنظمتها بألا يتعدّى عمر أعضائها الخامسة والسبعين، بينما يقترب يوسا من السادسة والثمانين، بالإضافة إلى أنه لم يؤلّف كتاباً واحداً باللغة الفرنسية، ويُعدّ قريباً من دوائر النخبة الأنغلوفونية، بالنظر إلى دفاعه عن مواقف العديد من الإدارات الأميركية المتعاقبة.
لكنّ ترشيحه، الذي لم يحظ بالكثير من الترحيب، أتى في سياق اعتباره "مُحبّاً" للثقافة الفرنسية، وليس كونه كاتباً فرانكفونياً مثل آخرين تمّ انتخابهم في الأكاديمية؛ مثل آسيا جبار وأمين معلوف وفرانسوا تشينغ، كما أنه لم يُقم في باريس سوى ثلاث سنوات في بدايات شبابه، ولم يحمل الجنسية الفرنسية أيضاً على خلاف معظم هؤلاء الكتاب، وبذلك يظلّ هواه موضع تشكُّك حول الإضافة التي قد يقدّمها يوسا في موقعه الجديد.
في أكثر من استطلاع نُشر في السنوات القليلة الماضية، عبّر مثقّفون فرنسيّون عن استهجانهم من بقاء الأكاديمية التي انتهت الحاجة إليها، بحسب آرائهم التي لفتت إلى أنها فقدت تأثيرها منذ زمن بعيد، وتضمّ أعضاء لا يتذكّر الفرنسيون كتاباً واحداً لهم، ورفضها قبول أهمّ كتّاب فرنسا؛ مثل بلزاك وفلوبير وبودلير وغيرهم.
لا شيء جديداً يعكسه انتخاب يوسا عضواً في أكاديمية تلعب دور "حارس المعبد" الذي يدافع عن ثقافة لم تعدّ جاذبة لكثيرين، حيث الحرية والمساواة والإخاء مجرّد مبادئ ترفعها الجمهورية العلمانية، لكنها تجافي الحقيقة والواقع. مقابل ذلك، حازت رواية "زمن عصيب" (2019)، آخر إصدارات يوسا احتفاء واسعاً، حيث تُصوّر فظائع الديكتاتورية في غواتميالا، بينما كاتبها ينافح عن ديكتاتوريات أُخرى يكرّسها الغرب باسم "الديمقراطية".