يُشكّل الاستيطان عصَب الفكر الصهيوني التوسّعي، الذي يشدّ إليه التصوّرات الاستعمارية الإحلالية، والتي قامت الحركة الصهيونية من خلاله بإنشاء كيان عنصري لها على أرض فلسطين التاريخية. تلازمت هذه الممارسة مع أيديولوجيا سعت "إسرائيل" عبرها إلى هدم أُسس المجتمع الفلسطيني، وتدمير أعمدته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
هذه الفكرة هي ما ينطلق منها مؤلَّفٌ مُشترك بعنوان "مدخل لفهم الاستيطان الصهيوني في الضفّة الغربية والقدس"، صدر حديثاً عن "مركز رؤية للتنمية السياسية" في إسطنبول، وأعدّه ثلاثة باحثين فلسطينيّين، هُم: ماهر عابد وحمزة الحلايبة وفراس علي القواسمة، وراجعه عزيز كايد.
يقوم الفكر الصهيوني على إبادة الشعب الفلسطيني بالقتل والتهجير
ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول؛ يبدأ الفصل الأوّل باستعراض تاريخي لتطوُّر المشروع الاستيطاني في فلسطين المحتلّة عام 1948، ويتناول ولادة الفكرة الصهيونية الاستعمارية، ثمّ يستعرض تطوّر بناء المستوطنات قبل الانتداب البريطاني ما بين عامَي 1870 و1916، ومن ثمّ في الفترة بين إعلان الانتداب البريطاني عام 1918 ونكبة 1948.
ويركّز الفصل الثاني على الموجات الاستيطانية في الضفّة الغربية والقدس بعد عام النكبة، كما يوفّر البيانات حول موجات التمدُّد الاستيطاني، وكذلك التوزيع الجغرافي للاستيطان، ويتطرّق إلى مُحدّدات بناء جدار الفصل العنصري.
وتحت عنوان "المستوطنون والمستوطنات في الضفّة الغربية والقدس: معطيات أساسية"، يناقش الفصل الثالث أعداد المستوطنين في الضفّة الغربية والقدس، ويُرفِق هذه التفاصيل بمعطيات إحصائية تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى النظر في حال المناطق الصناعية الاستيطانية، ومن ثمّ مقارنة مساحات المناطق العمرانية الفلسطينية مع المناطق العمرانية التابعة للمستوطنات.
أمّا الفصل الرابع فهو مُخصَّص للحديث عن "التقسيمات الإدارية والأيديولوجية للمستوطنين"، إذ يُبيّن الباحثون المُستوطنات التي تتبع لـ"مجلس المُستوطنات"، والتي ضُمَّت للكيان الصهيوني، كما يستعرضون المعلومات المُرتبطة بالإدارة المحلّية للمستوطنات، والتوجّهات الأيديولوجية لها.
ويُختَتم الكتاب بفصل عن واقع الاستيطان في المنطقة المصنّفة "ج"، حسب تقسيمات "اتفاقية أوسلو" التي عُقدت عام 1993، حيث يقدّم هذا الفصل معلومات عن عمليات الهدم والتشريد المستمرّ للشعب الفلسطيني، وأُخرى عن الأراضي المُصادَرة وحول السيطرة المُطبقة على الموارد الفلسطينية.
وممّا يخلُص إليه مؤلّفو الكتاب أنّ الاستيطان يمثّل جوهر الفكر الصهيوني القائم على إبادة الشعب الفلسطيني بالقتل والتهجير، وإحلال المستوطنين المحتلّين محلّه، وأنّ حرب عام 1967 كانت فرصة لاستكمال تنفيذ البرامج والمشاريع الاستيطانية التي هدفت إلى السيطرة على أوسع مساحة مُمكنة من الأرض الفلسطينية في الضفّة الغربية والقدس، وهذا ما لم يتوقّف بعد "أوسلو"، وما زلنا نرى نتائجه اليوم.