كان صالح علماني أوّل من فتح أحضان اللغة العربية لاستقبال أعمال الروائي الإسباني مانويل ريفاس (لا كارونيا، 1957)، حين ترجم له رواية "قلم النجار"، التي صدرت لأوّل مرّة عن "دار نينوى" في 2001. تتالت بعد ذلك ترجمات الروائي الغاليسي إلى العربية، فصدرت له عن الدار نفسها روايتا "الصمت عن كل شيء" بترجمة أكرم سعيد (2015) و"الأصوات المرتعشة" بترجمة جعفر العلوني (2021)، ثمّ عن "دار جامعة حمد بن خليفة للنشر" رواية "تيرانوفا في يومها الأخير" بترجمة حسني مليطات (2022).
تمكّن القارئ العربي، من خلال تلك الترجمات الأربع، من أن يطّلع على عالم ريفاس الروائي، وعلى أسلوبه السردي الذي لطالما وصفه النقّاد بأنّه "يجمع بين القوّة العاطفية والجمال الشكلي، إضافة إلى صلابة مهنية متعدّدة الاستخدامات ومتماسكة البنية من حيث الحساسية، ومن حيث الدفاع عن الذاكرة التاريخية والمسؤولية الاجتماعية".
ألّف ريفاس قرابة تسعين عملاً بين شعرٍ ودراسة ورواية ومسرح
هذه المواصفات الأدبية كانت كفيلة بمنح الكاتب الإسباني "الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية" لعام 2024، والتي تبلغ قيمتها خمسين ألف يورو، حيث أعلنت وزارة الثقافة الإسبانية، الأربعاء الماضي، منحها لريفاس عن مجموع أعماله الأدبية، والتي تُرجمت إلى أكثر من أربعين لغةً، إضافة إلى "التزامه الصارم باللغة الإسبانية، وكلماته الأصيلة التي ترمز إلى الأمل، والذاكرة، وقدرة الأدب على التأثير وعلى تغيير العالم"، وفقاً لبيان الجائزة.
ألّف ريفاس ما يقرب من تسعين عملاً بين شعرٍ ودراسة ورواية ومسرح. لكنّه برع بشكل خاصّ في الرواية، حيث استطاع أوّلاً أن يرسّخ حضوره في الأدب المكتوب باللغة الغاليسية، ثم بعد ذلك في الأدب الإسباني، صحافةً ورواية وشعراً، وكان هو نفسه من ينقل أعماله إلى الإسبانية.
لطالما اعتبر ريفاس الأدبَ عامة، والروايةَ خاصة، فعل مقاومة لا بدَّ منه لمواجهة الظلم والاستبداد والدكتاتوريات والإبادات. هكذا استطاع أن يجد في روايته توليفة الكلمة القادرة على زلزلة أسس الطغيان، وذلك من خلال استعادة ذاكرة العائلة الإسبانية التي عانت لسنوات طويلة حكم ديكتاتورية فرانكو، حيث كانت روايته استعادة لتلك السنوات التي عانى فيها الإسبان الاستبداد الديني والعسكري.
هذا الالتزام الاجتماعي والسياسي والثقافي هو الذي دفع مانويل ريفاس، بعد بداية حرب الإبادة الجماعية على غزّة في الثامن من أكتوبر 2023، إلى انتقاد موقف أوروبا المخزي من العدوان الإسرائيلي، وصمت المثقّفين الأوروبيّين، والمنابر الإعلامية الغربية التي تتلاعب بالكلمة وتجرّدها من معانيها، كما لم يتردّد في انتقاد المجرم نتنياهو الذي وصفه بـ"قاتل الأطفال"، وكان من بين عدد من الكتّاب الإسبان الذين سارعوا إلى توقيع بيان يندّد بالإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحقّ الإنسان الفلسطيني، مؤكّداً في الفعل كما في الكلمة أنّ الأدب الحقيقي هو قبل كلّ شيء فعل مقاومة.