أفَضِّلُّ الدِّببة التي تَعْترضُ طريق السَّلَمون
على الأسود التي تَفتِكُ بالظَّبي بالقُرب مِن الماء.
أفضلُ الدِّببة لأنَّ مَشهدَ الصَّيدِ لَدَيها لا يَنفصِلُ
عَنْ إخراجِه الطُّفوليِّ، رغم أنَّني أتألَّمُ لِتَهشُّم سَمكةِ السلمون
بَيْنَ قوائِمها وأنيابِها الطويلة.
أمَّا الأسودُ، فهي رغم شُعلتِها المُلتهبة، لا تَخرُجُ عِندي
عن كادَر الحيوان الانتهازي، العَدُوِّ، الذي لا أطمئنُّ لِنظرتِه المُخاتِلة،
لا في الليل ولا في النهار
لا في لُعب الطفولة ولا خَلْفَ سوط المُروِّض
لا في "كليلة ودمنة"
ولا وَراءَ الأكمة، حيث ترعَى قُطعان الحُمُر الوحشية.
الدِّببة تَستقبِلُني دائما بمياه الشَّلالات المُتفجِّرة
أو بطُرُقِها البيضاء،
حَيث يَطوي الثلجُ أسماكَه بأعماقِه التي تَدفنُ عواصِفَ
وَصيَّادين بِرماحِهم الطويلة.
الأسودُ لا تتورَّع في إسقاط الزَّرافة
عِمارة الألوهِيَّةِ الوَحيدةِ في الغابَة
وهي لا تَكُفُّ عنِ النَّوْم والنَّهْش
ولا تَسْتجيبُ لِلحُبِّ إلا بِقَتل الأشبال
ورَمْيِ جُثَّتِها لِلرِّيح
وكائناتِها المُجنَّحة.
أما الدِّببةُ، فلا تَكادُ تَفقدُ هشاشَتها، حتى وهي تَعبُر العَواصِفَ
والوِديانَ والتِّلالَ البيضاء،
وكأنَّها رُسِمَتْ رَسْما لِتَمْلَأ حَيِّزا في الطبيعة
لا يَزالُ قَيْدَ التَّشكُّل.
النارُ التي أخرَجَتْني مِن الكَهف
مِثلَ النُّجوم المُدلهِّمة في الليل البِدائِيِّ،
تخشاها الأسودُ
وَتتراجعُ مَذعورَةً أمامَها
مثل جُرذان كبيرة
الدِّبَبةُ تَقِفُ لكنَّ عُيونَها وأنوفَها تَبقَى واثقةً
مِن نَبع الحياة الذي يَتفجَّرُ بِمكانٍ خفيٍّ،
وَعَلَيها أنْ تَعْبُر نَحْوَهُ
مَهما كلَّفها الأمرُ.
هي بِالرّغم مِن تقاسيمِها الطُّفولية
وشَكْلِها المُركَّب على اسْتعجال،
تُؤْمِنُ أنَّ الحَياةَ هِبَةٌ حَقيقيَّةٌ،
مِن أجلِها، هي مُستعِدَّةٌ لِعُبور
المِياهِ والنِّيران والثلوج والعَواصف والجِبال
مِن أجلِها، هي مُستعِدَّةٌ
لِتوقيع أثرٍ بمخالبِها على جُذوعِ الأشجارِ الكبيرة،
تلك التي، في لحظة، تَمْحُوها العاصِفة
وَتلِدُها المِياه!
* شاعر من المغرب