استمع إلى الملخص
- **الشيطان في الوعي العربي**: يُعتبر الشيطان حاضراً في الوعي الشفوي واللاوعي العربي، حيث يُحيل الناس أفعالهم القبيحة إليه. في الأدب، غالباً ما تنتهي محاولات التعاون معه بالفشل والهزيمة، كما في شخصية "ميفستو".
- **الشيطان في السياسة والفكر العربي**: تسلل الشيطان إلى السياسة والفكر السياسي العربيين، حيث يُستخدم كتمثيل رمزي لدولة قوية أو قوة عسكرية. في الأدب، يُظهر الشيطان أنه لا يُحدث شراً إلا تنفيذاً لمشيئة الإنسان، مما يعكس تعقيد العلاقة بين الإنسان والشيطان.
استهوى الشيطان الكتاب منذ زمن بعيد، بعضهم أراد أن يستخرج من هذه الشخصية الغريبة مفاهيم أخلاقية، أو مواعظ فلسفية يمكن أن تساعد في إدانة الشرّ، إذ قرّر البشر منذ بداية اختلاق الشيطان أنّه يُمثّل الشرّ، وبعضهم الآخر حاول أن يبحث عن الوجه المحتمل للحياة المشتهاة التي يمكن أن يُحقّقها الإنسان حين يتحالف مع الشيطان.
لا يَظهر الشيطان كشخصية في الرواية العربية، أو المسرح العربي، أو الشعر العربي، على غرار وجوده في بقية الثقافات، إلّا في القليل من الأعمال. يمكن الإشارة هنا إلى قصّة "الشيطان يعظ" لـ نجيب محفوظ، التي باتت عنواناً لمجموعة من القصص فيما بعد، وقد أطلق عليه في النصّ اسم "العفريت".
تحفل الآداب الأوروبية بشخصية الشيطان، من كريستوفر مارلو، إلى غوته، وتوماس مان، وميخائيل بولغاكوف وغيرهم، كما برعت السينما الهوليوودية في اللعب على موضوعة الشيطان والذين باعوا له أرواحهم لغايات شخصية تنتهي غالباً بحلم القضاء على البشرية الخيّرة.
الشيطان هو الأكثر حضوراً في الوعي الشفوي العربي، واللاوعي العربي أيضاً
غير أنّ اسم الشيطان وشخصيته يكاد يكون -خصوصاً شخصيّته- الأكثر حضوراً في الوعي الشفوي العربي، ويمكن أن نقول اللاوعي العربي أيضاً؛ إذ يُحيل معظم الذين يلجؤون إليه أفعالَهم القبيحة وأخطاءهم إلى تدخّل الشيطان في حياتهم وأفكارهم، ويمكن إضافة جرائمهم لمن يزعمون أنهم يريدون التبرّؤ من الجريمة.
كانت النهايات في جميع الروايات التي سجّلت تعاون الإنسان مع الشيطان قد آلت إلى الفشل والهزيمة، وبدا اسم ميفستو الذي مُنح لهذه الشخصية في معظم الأعمال الأدبية التي فاوض فيها البشر الشيطان، حيث سيطرت فكرة: أعطني ما أشتهي، وخُذ ما تريد؛ هزيمة كاملة للرغبة البشرية في تجاوز الشرط النفسي أو الاجتماعي أو التاريخي.
اللافت أنّ الشيطان تمكّن من التسلّل إلى السياسة والفكر السياسي العربيّين، ومن فرط خبثه، لم يظهر في المكتوب، بل ظلّ متوارياً في الشفوي، أو داخل تلافيف العالم الافتراضي، حيث أخذ المشتغلون في السياسة يُعلنون عن رغبتهم في التفاوض مع الشيطان، أو في التعاون معه، من أجل تحقيق النصر على خصومهم.
ومع الزعم بأنّ الموقف يخلو من المكيافيلية، يمكن تعداد الشياطين التي استعان بها العرب، منذ فجر النهضة، حتّى اليوم، دون أن يربحوا أي شيء. يظهر الشيطان كتمثيل رمزي لدولة قوية، أو قوّة عسكرية، أو حزب سياسي، وهم يبتكرون الذرائع اللازمة لتسويغ أفعالهم، ولا يسمحون باستخدامها إذا ما سُئلوا عن أسباب رفض التفاوض مع بعضهم بعضاً، بينما يُسوّغون لأنفسهم التفاوض والحوار والتعاون مع الشيطان.
والطريف في الأمر أنّ اسمه يُذكر علانية، أي إنّنا مستعدّون للتعاون مع الشيطان، من دون أن يتضمّن هذا السلوك أية محاولة للتخفّي، أو لاستعارة اسم آخر على غرار "ميفستو" الأوروبي مثلاً.
في القصّة التي كتبها نجيب محفوظ "الشيطان يعظ"، وقد استوحى فكرتها من مدينة النحاس في "ألف ليلة وليلة"، في المجموعة التي تحمل العنوان ذاته، يقول الشيطان أو العفريت الذي يرمز له: "ما تسلّط عليّ فردٌ إلّا جعل منّي نعمة لمن يحبّ، ونقمة على الملايين. صدّقوني ما أحدث عفريتٌ منّا شرّاً إلا تنفيذاً لمشيئة إنسان".
* روائي من سورية