قلّما تؤخذ الأشرطة المصوّرة على محمل الجدّ ثقافياً، فهي أقرب إلى تعبيرات خفيفة أو أعمال موجّهة للأطفال لا غير. لكنّ هذا الرأي يُغفل أن أثرها قد يتجاوز الكتب العادية، من أعمال أدبية وفكرية، تلك التي تعتمد النصّ - في معناه البسيط - كمحمل وحيد للتواصل مع القارئ، إذ إن الجمع بين الصورة والكلمة، ناهيك عن عناصر أخرى، يجعل من الشريط المصوّر قناة تمرير لكثير من الأفكار تحت غطاء من البساطة والطرافة، وعبر هذه الميكانيزمات كثيراً ما يُصنع العديد من الصور النمطية والجاهزة التي يعسر على المقاربات الرصينة أن تغيّرها.
من نماذج ذلك الصورةُ التي تقدّمها الأشرطة المصوّرة عن العالم العربي في الفضاءات الفرنكفونية، والتي تمثّل موضوع ندوة علمية تنظّمها "كوليج دو فرانس"، بالتعاون مع "معهد الأبحاث والدراسات حول المتوسّط والشرق الأوسط" عند العاشرة من صباح اليوم الجمعة بعنوان "العالم العربي في الشريط المصوّر الفرنكفوني".
قد تنغرس الرؤى الكولونيالية في العقول عبر جماليات القصص المصوَّرة
يشارك في الندوة عدد من الباحثين المشتغلين في تخصّصات عديدة، وهو ما يجعل منها مثل محاولة للفت الانتباه ووضع مسألة الأشرطة المصوّرة تحت دائرة الضوء. يفتتح الندوة المؤرخ هنري لورنس، الذي يقدّم الإطار الإشكالي لصورة العالم العربي في الأشرطة المرسومة باللغة الفرنسية، وتليه كلمة الكاتب هيرفيه غايمار.
تتوزّع أوراق الباحثين المشاركين في الندوة على كامل اليوم حيث تنطلق الأشغال في التاسعة صباحاً وتمتدّ إلى السادسة مساءً. تحمل الجلسة الأولى عنوان "قرنان من التاريخ المتقلّب في الأشرطة المرسومة" ويتحدّث خلالها كلّ من جاك فرنانديز وأدلين روزنستاين وأليكس بالادي. أمّا الجلسة الثانية فهي بعنوان "السياسة والأشرطة المرسومة: فنّ ملتزم؟" ويتحدّث خلالها جان بيير فيليو ونادية نخلة، ليُختتم اليوم بجلسة "تصوير المنفى والثقافة المزدوجة" التي يتحدّث خلالها كلّ من زينة أبي راشد وريما برّاك وناوومي هونين وبريجيت فيندالكي.
ليس الاهتمام بصورة العالم العربي في الأشرطة المرسومة بجديد تماماً على بيئة البحث الفرنكفونية، فقد سبق أن أصدر الباحث لوي بلين كتاباً مهماً بعنوان "العالم العربي في ألبومات تان تان" في عام 2015، وبيّن فيه أثر الرؤية الاستشراقية في العالم التخييلي الذي ابتناه الرسّام وكاتب السيناريو البلجيكي هيرجيه في سلسلة "ألبومات تان تان" التي كان لها أثر واسع في تشكل صورة العالم العربي في أذهان الأطفال. إذ كانوا يقرؤون بشغف مغامرات الفتى المحقّق ويندمجون مع سحر الحكايات دون التفطّن لما سرّبه المؤلف من صور مغلوطة تقوم على عدم تجاوز المنطق الكولونيالي، كما وضّح بلين صعوبة تغيير النظرة الأولى المغروسة في عقول الأطفال، وإنْ أشار إلى أنها تتّسم ليس فقط بالاستعلاء، بل بالفتنة الجمالية أيضاً، ذلك أن هيرجيه قدّم العالم العربي في إطارٍ من العجائبية، وفي ذلك سبب آخر لانغراس الصورة التي قدّمها في العقول الأوروبية.
يُذكر أنّ نسخةً عربية من الكتاب كانت قد صدرت خلال العام الماضي، ضمن سلسلة "ترجمان" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) بترجمة سعود المولى.