خلال العقود الثلاثة الماضية، تراجعت الصلات الثقافية التي كانت تربط العالم العربي بالجمهوريات المكوّنة للاتحاد السوفييتي سابقاً، وتوقّفت الترجمات التي كانت ترعاها موسكو لآدابها وفكرها إلى لغات العالم، وكذلك البعثات الدراسية التي شكّلت نافذة ليطلّ من خلالها الطلبة العرب على تاريخ وحاضر شعوب عدّة في أوراسيا.
يمنح المتحف الافتراضي الذي أطلقته السفارة الأوكرانية في الدوحة في السابع عشر من الشهر الجاري فرصةَ التعرُّف على أعمال عشرة فنّانين أوكرانيّين يُمثّلون أجيالاً وتيارات متنوّعة، من خلال معرض بعنوان "أوكرانيا: فن العصر الجديد"، يتواصل حتى منتصف كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ويضمّ أعمال إيفان مارتشوك (1936)، وفيكتور سيدورينكو (1953)، وبيترو أنتيب (1959)، وكاترينا كوزيانينكو (1978)، وأولينا بريدوفالوفا (1960)، وسيرهي هاي (1959)، ودينيس سارازين (1982)، وأندريه تشيرنوفيل (1977)، وأوكسانا ستراتيتشوك (1968)، وأوليسيا دزورايفا (1982).
يشكّل نقد الحياة المعاصرة ثيمة مشتركة بين أعمال أكثر من فنّان
وُلد مارتشوك في عائلة تعمل بالنسيج، ودرس الرسم والخزف وبدأ مشواره منذ الخمسينيات، متجنّباً الواقعية الاشتراكية التي كانت سائدة آنذاك، ما جعله مهمَّشاً من قبل الأوساط الفنية الرسمية؛ حيث توجّه نحو رسم تكوينات تعبيرية مجرّدة ممتزجة بعناصر سوريالية، مردّداً عبارته "أعطني ألف سنة... سأرسم السماء ولن أكرّر ما أقوم به".
ويتناول سيدورينكو في أعماله الأدائية والتركيبية مواضيع متعدّدة منها الاستبداد الذي يتّخذ أقنعة سياسية ودينية لاحتواء الفرد مادياً وروحياً، والانهيار التام لنظام القيم الإنسانية، والتشظّي الذي يعيشه البشر في القرن الحادي والعشرين، بينما نفّذ أنتيب العديد من الأنصاب التذكارية والتماثيل في بلاده وخارجها، والتي تعكس عادةً مدلولات سياسية واجتماعية ضمن رؤية لا تفصل بين الفن والجمهور.
وتستمد كوزيانينكو أعمالها من التقاليد والتاريخ والحكايات الخيالية، مع تأثيرات أسلوبية من عصر النهضة الإيطالية والباروك الأوكراني، حيث تتشابه بورتريهاتها مع اللوحات الدينية والأيقونات الأرثوذكسية ضمن تكوينات لونية معقّدة، إلى جانب رسمها المناظر الطبيعية بأسلوب واقعي. بينما تقدّم بريدوفالوفا تفاصيل الحياة اليومية في رسوماتها؛ حيث نفّذت سلسلة "الحركة" (2016) التي تتكوّن من لوحات غواش تصوّر خطوط السكك الحديدية والقطارات والمحطّات التي تحتشد بالناس.
ويستخدم هاي في معظم لوحاته الأكريليك والزيت لرسم بورتريهات لنساء في حالات متنوّعة، مركّزاً على حركة وإيقاع الوجه والجسد، وليس على تفاصيلهما؛ حيث يمزج فيها بين التشخيص والتجريد. أمّا سارازين فيتوجّه إلى تعبيرية صارخة في رسم الجسد الإنساني في مشهد درامي يوحي بأقصى ردود فعله، أو في الاعتناء بالتفاصيل حين يرسم الطبيعة في القرم.
تتنوّع أعمال تشيرنوفيل (أبهينافا) بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، والنحت، والمنشآت، وأعمال الوسائط المتعدّدة، والتي يصوّر من خلالها المدينة الحديثة وكذلك المناظر الطبيعية التي تنقل المشاهد إلى عمق الوعي الباطن؛ المساحة التي يشتغل عليها في فهم الصلة بين داخل الإنسان وخارجه.
وتذهب ستراتيتشوك بشكل أساسي إلى رسم النباتات والأعشاب والخضروات والفاكهة، والتي تبدو مختلطة بمقاطع من الجسد الإنساني، متأثّرة في ذلك بالمدرسة الهولندية القديمة، ما يمنح فضاءً للتأمُّل الجمالي والفلسفي. وبدورها، تختار دزورايفا الطباعة التقليدية والغرافيك كوسائط فنية للتعبير عن المدينة المعاصرة وسبل العيش فيها.