يُعدُّ "المؤتمر الدولي للّغة الإسبانية" الذي ينعقد سنوياً، من أبرز المؤتمرات التي تُناقِش فيها المؤسّسات والهيئات والأكاديميات والمعاهد اللغوية والثقافية في إسبانيا المشكلات التي تُواجِهُها هذه اللغة حول العالم. وربّما لم يكن من باب المُصادفة أن تنعقدَ دورته التاسعة، في 30 آذار/ مارس الماضي، بمدينة قادش الأندلسية، التي عُرِفت، تاريخيّاً، بكونها حِصناً منيعاً ومكاناً مثالياً للحرب وللهجوم والدفاع. غير أنّ الصراع الذي نشب هذه المرّة بين حصون مدينة قادش لم يكن عسكرياً، بل كان صراعاً لغوياً بالدرجة الأُولى.
ففي اعتراف اثنين من أبرز ممثّلي لغة ثيربانتس: الشاعر الغرناطي لويس غارسيا مونتيرو، مدير "معهد ثيربانتس"، والكاتب والباحث سنتياغو مونيوز ماتشادو، مدير "الأكاديمية الملكيّة للغة الإسبانية"، كان مؤتمر هذا العام مليئاً بالمشادّات الكلامية بين المؤسَّسات المسؤولة عن رَسْم وتخطيطِ السياسة اللغوية الإسبانية في العالم.
ربما لهذا السبب، تحديداً، كانت الحكومة حاضرةً عبر وزارة الخارجية، وثلاثة وزراء آخرين؛ نظراً لأهمية النقاشات الجارية حول مستقبل اللغة داخل البلاد وخارجها. ولم يتردّد وزير الخارجية، خوسيه مانوييل آلباريس، في شنّ هجوم واضحٍ، على القائمين على "معهد ثيربانتس" و"الأكاديمية الملكية للغة"، لا سيّما بعد تأسيس قسم اللغة الإسبانية التابع للوزارة، والذي صار من بين مهامّه ضمانُ تماسُك عمل المؤسّسات الحكومية الإسبانية في نشر اللغة بالخارج؛ علاوةً على تحسين كلّ الإمكانات التي توفّرها لغة ثيربانتس في الساحة الدولية.
تسعى وزارة الثقافة الإسبانية منذ 2007 للاستفراد بسياسة اللغة
وبدا واضحاً في الدورة الأخيرة، أنّ جميع المؤسّسات المعنيّة سعَت إلى السيطرة - كُلُّ واحدةٍ منها وفقاً لاستراتيجيتها الخاصّة - على الإجراءات التي يجبُ تطبيقها عالمياً من أجل نَشْر اللغة. وعلى الرغم من التصريحات التي أدلى بها مدير "الأكاديمية الملَكية"، ماتشادو، حول "نجاح أعمال المؤتمر رغم التوتّرات الطفيفة"، إلّا أنَّ تصريح الشاعر الغرناطي أكّد على استمرار هذه الخلافات، حيث قال إنَّ "المؤسّسات التي تعملُ في بحر اللغة الإسبانيّة جميعها تُبحر في الاتجاه نفسه، ولكنْ لا يُمكننا أن نغُضّ النظَر عن وجود بعض الخلافات من قبل بعض الشخصيات. في نهاية المَطاف هذه هي اللغة الإسبانية، إذا كانت العلامة أو الإشارة الموجودة فوق الأحرف الصوتية قد أحدثت ما أحدثت من ضجيج وصخب، فيمكنكم أن تتصوّروا الحال عندما يتعلّق الأمر بسياسة اللغة الإسبانية في الخارج، لا سيّما في ظلّ التنوّعات اللغوية العديدة في قارّة أميركا اللاتينية".
ويعود الخلاف حول سياسات اللغة الإسبانية إلى عام 2007، حين أرادت وزارة الثقافة أن تستفردَ بسياسة اللغة، وتترأّس جميع الأكاديميات اللغوية لا في إسبانيا فحسب، وإنما في قارة أميركا اللاتينية أيضاً. ولكن وزير الخارجية الإسباني، آنذاك، ميغيل أنخل موراتينوس، وقف في وجه وزارة الثقافة.
وتتعرّض أكاديميات ومؤسّسات اللغة الإسبانية، اليوم، إلى نقدٍ حادّ من قبل ناشطات في الحركة النسويّة، اللواتي يَصِفْنَ الإسبانية والقائمين عليها بالذكورية؛ لا سيّما عندما يتعلّق الأمر ببعض المفردات والألفاظ التي لها معنىً معيناً في حالة المُذكّر، ولكنْ حين تُستخدم في حالة المؤنّث تكتسبُ معنى سيّئاً في أغلب الحالات. ناهيك عن الدلالات الجنسيّة التي تُشير إليها بعض المفردات والتي، كما تقول ناشطات الحركة النسوية، "لم يفعل القائمون على اللغة أيّ شيء للحدّ من استخدامها".
كما شنّت الناشطات النسويات، في وقتٍ سابق، حملةً على عدد من الكتّاب الإسبان، واصفاتٍ إيّاهم بأنهم ذكوريّون؛ بسبب عدم مراعاتهم حالات الجموع المؤنّثة في اللغة، والإشارة لها دائماً بلغة وتعبيرات مذكّرة، ومن بين أولئك الكتّاب المستهدفين البيروفي ماريو بارغس يوسا.
ولا شكَّ أنّ الواقع الذي تعيشه إسبانيا يفرضُ على المُشتغِلين في علوم اللغة الإسبانية العثور على حلول لُغوية للمشكلات المذكورة، تتماشى مع الواقع الاجتماعي ومع التطوّر التاريخي للغة.