في المشهد الثقافي الجزائريِّ الكثيرُ مِن الاحتفالات والتكريمات والتصفيق والصُّوَر الفوتوغرافية والنزرُ اليسير من الثقافة. هذا حالُ الشقّ الرسميّ مِنه، وهو سوادُه الأعظم. أمّا الشقُّ المستقِلّ، فلا يكادُ يُرى أو يُسمَع، لضآلة مساحاته مِن جهة، ولتواريه خلفَ كلِّ ذلك الضجيجِ من جهةٍ أُخرى.
ليس في الأمر جديدٌ يُذكَر. لكنَّ استمرارَه بهذه الوتيرة الثابتة يُذكّرنا بوجود خللٍ عميق في فهمِ الدولة للثقافة، بمفهومها الواسع، أو للمؤسَّسة الثقافية الرسمية بوصفها كياناً يُفترَض أن يضطلع بمهمّات دقيقةٍ واضحة، قد تكون الاحتفالاتُ والتكريمات والتصفيق والصُّوَر الفوتوغرافية جزءاً ثانوياً منها، لكنّها قطعاً ليست الجزء الأساسي فيها.
في السنوات الثلاث الأخيرة، تداوَلت ثلاثة وجوه وزارة الثقافة (بمعدَّل وزيرٍ لكلّ سنة)، لكنَّ شيئاً لم يتغيَّر، سوى على المستوياتِ الإدارية (إذْ يستبدلُ كلُّ وزير الفريقَ القديمَ بآخر جديد): الاهتمام المفرِط بالأنشطةِ الرسمية، الفارغة إلّا في ما ندر، والتي تضمَن مروراً بنشرة "الثامنةِ" التي يُشاهدها الرئيس، التكرار الذي أصبحَ مُملّاً لأسطوانة العمل على تطبيق برنامجِ الرئيس، والذي يسعى إلى "إعادة الاعتبار للثقافة"، دون أنْ يُخبرنا أحدُهم بمضامين هذا البرنامج وعناوينه العريضة، والإهمالُ - عن قصدٍ أو دون قصد - للقضايا الأساسية والملحّة.
في هذا المشهدِ المنحازِ للاحتفالات والتكريمات والتصفيق والصُّوَر الفوتوغرافية، لن يكون غريباً أنْ "يُكرِّم" الجميعُ الجميعَ... بمن فيها وزيرةُ الثقافة نفسها، والتي بدت مبتسمةً وهي تستلم مِن والي ولاية في الشرق الجزائري لوحةً تشكيلية تُجسّدها. هل علينا أنْ نتوقّف عند هذا السلوك القديم، أمْ عند ابتسامة الوزيرة السعيدة بالتكريم، أم عند هذا الابتذال الصارخ للفنّ واتّخاذه مجرّدَ وسيلة لتملُّق مسؤول، حتّى إنْ كانَ وزيراً لم تمرّ على تعيينه سوى ثلاثة أشهر؟