في عام 1756، اندلعت حرب السنوات السبع التي أنهكت جيوش عشرة بلدان أوروبية في صراع دامٍ انتهى بتفوّق بريطانيا على فرنسا، والاعتراف بمملكة بروسيا دولةً عظمى. وفي خضمّ هذه الحرب، وجد الفنان الإيطالي برناردو بيلوتو (1721 – 1780) نفسه عالقاً في قلعة كونيغشتاين بألمانيا، وكان عليه أن يرسمها بأمر من فريدريك أوغستوس الثاني الذي تحصّن فيها أمام الجيوش البروسية.
رسم بيلوتو خمس لوحات لن تُجمع سوية إلا بعد سنين طويلة، لتصبح موضع دراسة واهتمام من قبل نقّاد الفن. فرغم أن هذه الأعمال تنتمي إلى الفترة الرومانسية، إلا أنها حملت ألغازاً حول القلعة التي تبدو مختلفة في كلّ لوحة من اللوحات، بما تحتويه من تفاصيل دقيقة تسبّبت في إحداث فارق كبير بين النظر إليها كمَعْلَم يبعث على الخوف والرهبة، أو في رؤيتها كمكان جميل وأنيق.
حتى الحادي والثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، يتواصل في "الغاليري الوطني" بلندن معرض " بيلوتو: لمّ شمل مشاهدات كونيغشتاين" الذي افتُتح في الثاني والعشرين من تمّوز/ يوليو الماضي، مع تقديم يُبرز الدراسات التي حلّلت تلك الأعمال.
لم يرسم الفنان الإيطالي قلعة بالمعنى الاحتفالي الذي ساد تلك الحقبة، وكان يريد من خلال مشاهداته إبراز بُعد درامي لتلك الحياة التي ذكّرته بمدينته البندقية التي غاب عنها، لذلك نظر إلى القلعة ككائن بشري وهو يرى آلاف الجنود يحاولون نسيان حصارهم من خلال لجوئهم إلى الشراب، ما جعله ينظر إلى تلك المدينة المسوّرة فوق جبل بوصفها هشّة ومزيفة.
أُهملت رسومات بيلوتو في تاريخ الفن، وبقي يُذكر كابن أخت الفنان الفينيسي جوفاني أنطونيو كانال (كاناليتو) حتى منتصف القرن الماضي، حيث استُخدمت لوحاته التي وثّق فيها معمار وطبيعة مدينة دردسدن، من قبل المهندسين المعماريين أثناء إعادة إعمارها بعد أن تدمّرت معظم مبانيها بفعل قصف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ما أعاد الاعتبار إلى طريقته في الرسم.
تُظهر اللوحات الخمس اهتماماً جليّاً بالعنصر البشري وتفاصيل المكان بألوان غامقة وصاخبة، حيث رسم النسّاك في القلعة، وتماثيل الأرستقراطيين على واجهة الكنيسة داخل القلعة والذين تبعث أشكالهم على السخرية، كما رسم أناساً بأنوف حمراء من شدّة البرد، وأطفالاً يَجْرون باتجاه ذويهم، كما يتراءى سُكارى يترنحون في الممرات، وملامح وجوه الجنود اليائسة، وهناك نباتات مزروعة في أصص على عتبات النوافذ العالية.