"بعض قضايا المنهج": دراسات في السياسة والتاريخ والقانون والديموغرافيا

18 يونيو 2023
شوقي شمعون/ لبنان
+ الخط -

يحتوي كتاب "بعض قضايا المنهج: في علوم السياسة والتاريخ والقانون والديموغرافيا" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بحوثاً بارزة في حقول شتى، تنتمي وتتفرع عن أصول أربعة هي: السياسة والتاريخ والقانون والديموغرافيا.

شارك في التأليف ثلاثة عشر باحثًا وباحثة عربًا متخصصين في حقول العلوم السياسية، والتاريخ والحضارة، والأدب الألماني، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وحوار الحضارات، والدراسات الأمنية، والأنثروبولوجيا، وعلم الآثار، والتاريخ الحديث، والفكر العربي الحديث، وتاريخ الأفكار، والعلاقات الدولية، وهم: إبراهيم القادري بوتشيش، وحسن الحاجر علي أحمد، وخليل العناني، وزهير سوكاح، وسيد أحمد قوجيلي، وطارق مداني، وعبد الحميد هنية، وعبد الوهاب الأفندي، وعلي الصالح مولى، ومحمد حمشي، ومحمد الخراط، ومراد دياني، ومروة حامد البدري. وقد حرر مراد دياني مادة الكتاب.

يتصدى عبد الوهاب الأفندي في الفصل الأول من الكتاب لـ"أزمة العلوم السياسية المعاصرة"، عارضًا بعض ملامح "بردايم" محتمل لمعالجتها، في ظلّ عجز الإطار النظري الأشمل الذي يحكمها عن استيعاب المتغيرات السياسية الكبرى السريعة في عالم اليوم، وعن التوفيق بين التطلعات العلمية للتخصص ومتطلبات المعالجة الأشمل للشأن السياسي.

شارك في تأليف الكتاب ثلاثة عشر باحثًا وباحثة عربًا متخصصاً

ويتناول سيد أحمد قوجيلي، في الفصل الثاني، ظاهرة حشو أطاريح البحوث بعدد كبير جدًّا من المتغيّرات، عادًّا إياها من "الجهل المنهجي". وهذه الظاهرة وإن كانت لا تحظى باهتمام واسع في مجال البحوث، يترتّب على استعمالها مغالاة في جمع البيانات وتحليلها على حساب بناء الأطروحة، لكنه ينافح عن "الشحّ" في تصميم البحث، بوصفه يساهم في تبسيط الأطروحة وتحديد فروضها ومتغيّراتها. 

ويناقش خليل العناني، في الفصل الثالث، الأيديولوجيَّ - باعتباره حقلًا معرفيًّا - المرتبطَ بنشأة علم السياسة منذ أواخر القرن الثامن عشر ثم في مرحلة الحرب الباردة. ويجادل بأنّ ثمة مأزقًا معرفيًّا مع تأثير تحوُّل علم السياسة علمًا "غائيًّا" في بنيته المعرفية والمنهجية، نتيجةً للتحيُّز القبْلي في عملية إنتاج المعرفة، وتجسّد العلاقة بين القوة والمعرفة فيه بوضوح. 

يضيء محمد حمشي، في الفصل الرابع، إشكاليةَ "السببية" في حقل العلاقات الدولية من حيث كونها إشكاليةً إبستيمولوجية، مفترضًا النقاش بشأنها فرصة ملائمة لاستكشاف معالم الطريق نحو "رواية ثالثة" ممكنة بدلًا من الروايتين المتعارضتين (الفهم و/ أو التفسير). 

غلاف الكتاب

في الفصل الخامس، تطرح مروة حامد البدري فرضيةَ مفادها أنّ الاختيار العقلاني لا يؤدي بالضرورة إلى تعظيم المنفعة، باعتباره اختيارًا يخضع لحسابات الربح والخسارة؛ ما قد يؤثر في اختيارات صانع القرار ويوجّهه نحو المخاطرة أحيانًا. وتخلص الباحثة إلى أنّ الاختيار العقلاني في صورته الوصفية والمعرفية يؤكد أن لا مبدأ واحدًا للاختيار دومًا؛ ذلك أنّ تحديد صانعِ القرار مجالَ الربح أو الخسارة هو الذي يحدد طريقة اختياره، إذ يكون في إطار الربح أقلّ ميلًا إلى المخاطرة، وفي مجال الخسارة أكثر ميلًا إليها.

ويخصّ حسن الحاج علي أحمد، في الفصل السادس، مناهج دراسات الحالة بالدرس والتحليل، وهي دراسات تشهد اهتمامًا وإقبالًا متزايدَين من الباحثين، مقارنةً بالعدد الكبير من البحوث في مجالات العلوم الاجتماعية، لكنها تواجه تحديات في مدى قدرتها على التعميم والاستدلال.

يتناول محمد الخراط في الفصل السابع تنشيط "أنثروبولوجيا القانون في الفكر العربي المعاصر"، آليات الضبط الاجتماعي في القانون، وقدرة التشريع على الموازنة بين المصالح الراجحة والمرجوحة، والتفطّن إلى التغيرات العميقة التي يتطلّبها الإصلاح التشريعي بوصفها من أهم مداخل المنهج التاريخي والأنثروبولوجي. هذا إضافةً إلى نظره في الأفكار التشريعية التي استقاها من التجربة التونسية ومن القانونَين اللبناني والأردني، لا سيما في ما يخص "جرائم الشرف"، بوصفها كاشفةً عن رواسب العقل وقدرة الأعراف والعادات الموروثة على مقاومة التغيرات.

في الفصل الثامن، يبحث علي الصالح مولى في "قضايا السياقات المعرفية" و"قضايا الاختصاص" المتشكلة داخلها، وبواعث التفكير في تجديد منهج الكتابة التاريخية العربية، وفرص ترقية الأداء الأكاديمي في الحقل التاريخي العربي، والنتائج التي انتهت إليها التجارب المنجزة. ويستعرض الباحث التقاطع بين المعرفي والمنهجي، وتلقّي المؤرخين العرب تيارات تجديد الكتابة ومناهجها، مع التركيز على "مدرسة الحوليات" و"مدرسة التاريخ الجديد". 

يقترح عبد الحميد هنية، في الفصل التاسع، العمل لإيجاد ظروف للتجديد في الكتابة التاريخية على أساس "أهلنة" المنهج، ويقصد بذلك فهمنا وتحليلنا مجتمعاتنا بالطريقة الصحيحة، من أجل تخطّي المعارف الإثنومركزية الغربية التي أنجزت حولها.

في الفصل العاشر، ينطلق إبراهيم القادري بوتشيش من التساؤل عن جدلية العلاقة بين حق مؤلف النص وحق قارئه في حالة النص التاريخي؛ إذ يصبح القارئ/ المؤرخ شريكَ صاحب النص في فهمه وإعادة إنتاج دلالاته بمنهج تأويلي، فالتاريخ حقلٌ معرفي يمور بالرموز والأساطير التي تستدعي التأويل، وهو بذلك يعيد صوغ القول في سؤال المنهج وكيفية تحيينه في العلوم الإنسانية عامة وفي التاريخ خاصة. وللإجابة عن تساؤله الاستهلالي، يسعى الباحث إلى درس منهج التأويل الرمزي في الحقل التاريخي، الذي يروم إقامة علاقة جدلية بين العقل والتراث والعلم والروح في فهم دلالات النصوص، وإشراك قارئ النص المرموز في إعادة إنتاج معناه واستخراج دلالاته الممكنة عن طريق فهمه وتأويله، وإقامة روابط تفاعل وحوار معه. وبالتفاعل والحوار، يتملّك المؤرخ - وفقًا للباحث - النصَّ، ويساهم في بناء معانيه ودلالاته وينتجه من جديد.

يضيء زهير سوكاح، في الفصل الحادي عشر، حقل "دراسات الذاكرة" بوصفه تعبيرًا جامعًا يحيل إلى مقاربات علمية ذات طبيعة "بينتخصصية"، تسعى إلى التعامل مع "الذاكرة" الإنسانية في بُعدَيها المجتمعي والجمعي، وإلى البحث في علاقة الذاكرة بالظواهر البشرية محلِّ اهتمامِ العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية. 

في الفصل الثاني عشر، يستعرض طارق مداني حقل "الديموغرافيا التاريخية" ومناهجها، ويعرض على نحوٍ وافٍ للعديد من المؤشرات العمرانية ودلالاتها الديموغرافية في بعض المدن الإسلامية (دمشق، بغداد، حلب، القاهرة، تونس، القيروان، فاس، مدن الأندلس). ويستقصي مراحل تطور "التاريخ الكمي" عبر أعلامه ومدارسه، وطرائق إحصاء ساكنة بعض المدن الإسلامية عبر التاريخ، من خلال استثمار بعض النظريات الديموغرافية، أو تفعيل النصوص القديمة واستنباط الإشارات الإحصائية المتفرقة فيها، أو توظيف الاستنتاج الرياضي المرتبط بمساحة هذه الحواضر وعدد منشآتها العمومية، باعتبارها مؤشرات دالة على ديناميكية عدد السكان. 

 

المساهمون