ضمن سلسلة "ذاكرة فلسطين"، صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "شيءٌ عابر... نابلس تحت الاحتلال (حزيران/ يونيو 1967 - آذار/ مارس 1969): مذكرات ووثائق حمدي طاهر كنعان" للباحث بلال محمد شلش. يشتمل الكتاب على قسمين يتضمنان ستة فصول، وببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
اضطلع حمدي كنعان بمسؤولية أسرته إثر وفاة والده، وكان قد اجتاز حينئذ مرحلة الدراسة الثانوية، وبمسؤولية ديونٍ كان والده قد خلّفها لتعثرٍ أصاب عمله في نقل البضائع وشحنها على ظهور الدوابّ بين نابلس وسائر المدن الفلسطينية، فكرّس الابن حياته لسداد ديون والده، وقد كان له أخ أكبر "داود"، وهو طالب جامعي في كلية روبرتس بإسطنبول، وأخوان أصغر منه، هما "أنور" الطالب في جامعة دمشق و"نشأت" التلميذ في المرحلة الثانوية.
ترك كنعان بدراسته الجامعية وانخرط بكليته في سوق العمل، فأدار في البداية أعمال صهره أحمد الشكعة، ثم سرعان ما استقل بمتجره الخاص بتجارة الحبوب والزيوت في "الشويترة" بنابلس. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939، انتقل بأسرته الصغيرة إلى عمّان وتملّك فيها متجرًا في سوق السكر، وأنشأ علاقات تجارية وثيقة مع تجار كُثر في دمشق وبيروت، ليعود مع نهاية الحرب عام 1945 إلى مسقط رأسه نابلس ويطوّر أعماله فيها في مجالَي الزراعة والصناعة؛ إذ اشترى مزرعة تبلغ نحو ألف دونم في غور الجفتلك من أجل إنتاج الفواكه والخضروات الطازجة، وأدخل إلى نابلس تقنية تصنيع الصابون العالي الجودة من الزيت المحتوي على نسبة عالية من الكلوروفيل بعد استخراجه من "جفت" الزيتون، وقد سمِّيت علامته التجارية من الصابون بـ "الدب القطبي".
بلغ كنعان مكانة مرموقة بين مواطني مدينته، فانتُخب مرات عديدة لعضوية مجالس غرفة التجارة والصناعة في نابلس، وكذلك المجالس البلدية المتعاقبة (في الأعوام 1951 و1955 و1959)، وصولًا إلى انتخابات 1963 التي توّجته رئيسًا للبلدية حتى عام النكبة 1967 والاحتلال.
ولم تمنعه انشغالاتُه المهنية من تطوير ثقافته الشخصية لتعويض ما فاته من تعليم جامعي، فانكبّ بنَهمٍ على قراءة الأدب العربي وعيون الأدب العالمي المترجَم، وكذلك الصحف والمجلات، وأتقن الإنكليزية تحدثًا، مستفيدًا من علاقته بالقنصل الإنكليزي في نابلس أ. هاكت باين (A. U. H. Hacket-Pain) ، الذي أحب نابلس وسكنها خلال الحرب الكونية الثانية، ثم بوصفه قنصلًا مقيمًا لبريطانيا في المدينة. وبعد رحلاته المتكررة إلى دمشق وبيروت والقاهرة، وسّع دائرة رحلاته إلى أوروبا، فزار تشيكوسلوفاكيا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا؛ لا للمتعة السياحية فحسب، بل للاطلاع على ما يفيد به بلدته من تلك البلدان، فأنشأ مصانع لتدوير النفايات في نابلس.
من الناحية السياسية، كان كنعان محافظًا، يميل إلى الملكية الدستورية لما تمثله من استقرار. وبمقدار تعلّقه بالعقلانية السياسية لوصفي التل، الزعيم الذي ربطته به صداقة عميقة، كان نافرًا من شعبوية الحاج أمين الحسيني وأتباعه، ويرى فيها خطرًا، وكذلك شعبوية جمال عبد الناصر وأدواته الإعلامية (أحمد سعيد). لكنه لم يكن متشنجًا في ميوله السياسية؛ إذ تعامل بإيجابية وتفهّمٍ مع انتساب ولديه طاهر وباسل في سنّ مبكرة إلى حزب هو خارج التوجه العام للفلسطينيين، وهو حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد كان شخصًا ليبراليًّا، يؤثر الحوار العقلاني والجدال بالتي هي أحسن.
أكثر ما استفز كنعان الصدمةُ التي مثّلها الاحتلال؛ إذ ترجمها مذكراتٍ ويومياتٍ خطّها في هذا الكتاب، شاعرًا بخطر إهمال تدوين مجريات الاحتلال للأجيال القادمة، فنفّذ ما رآه "واجبًا"، موجِّهًا موظفيه في البلدية إلى حفظ سجلٍّ بيوميات المقابلات الصحافية التي يجريها، والتي شكّلت المادة التي عمل عليها الباحث بلال شلش بدقة الباحث العلمي الأصيل وحِرفيته.
بعد احتلال "إسرائيل" الضفة الغربية في عام 1967، حرص كنعان على إيصال هموم المواطنين وظروفهم الصعبة في ظل الاحتلال إلى كل من المسؤولين الأردنيين والقيادات الفلسطينية في بيروت. ولهذا الغرض، كان يجتمع خلال زياراته العاصمة اللبنانية بمحمد يوسف النجار (الذي استشهد)، والدكتور يوسف صايغ، والأستاذ وليد الخالدي.
وقد سجّل تجربته في التعامل مع تحديات الأشهر الأولى من الاحتلال لفيف مبارك من أصدقائه المقربين؛ منهم يحيى عودة، وأمين سر البلدية، والطبيب عدلي الدلال، الذين كتبوا مذكرات خطيّة أفادت شلش كثيرًا في تحرير فصول الكتاب.
مع احتلال القوات الإسرائيلية الضفة الغربية، ثم وصولها إلى نابلس، استمر مجلس المدينة البلدي في العمل، فقد كان على رأسه وفي عضويته أناس صقلتهم نكبةُ 1948 وعلّمتهم دروسًا في مخاطر الهجرة والتهجير، وذلك على الرغم من قيام القوات الغازية بتصفية دائرة المُحافظ والاستيلاء من ملفاتها على معلومات عن أهالي نابلس وشبابها وناشطيها، ومن ثم كانت البلدية المرجعية الفلسطينية الوحيدة أمام الاحتلال. كان الامتحان العسير الأول لكنعان ومعاونيه حينما بدأت قوات الاحتلال تهجير سكان قلقيلية والقرى الحدودية بالآلاف، وحينما تدفّق هؤلاء إلى نابلس واحتلوا الشوارع والساحات العامة والمدارس والمساجد، تمهيدًا لاستئناف الهجرة إلى شرق نهر الأردن؛ فما كان من كنعان إلا أن هبَّ لمنع هؤلاء من الهجرة لأي سبب، وعمل على إعادتهم إلى مدنهم وقراهم، ولم يتردد في أن يحول دون هجرتهم في حرّ الصيف، ومنع أي مغادرة غير مبررة، وإرسال دوريات إلى منطقة الغور لضبط المتسربين، فنجح في إعادة كثيرين ممن حاولوا النزوح، وتزامن عمله هذا مع الاتصال بقناصل الولايات المتحدة والدول الكبرى في القدس لاستثارة ضغط دولي لإعادة المهجّرين.
وفي ما كتبه أمين سر البلدية يحيى عودة، أنه ما كاد أسبوع ينقضي حتى أثمرت جهود كنعان، إذ أقلَّتْه هو وكنعان، في 14 حزيران/ يونيو 1967، سيارة عسكرية إسرائيلية إلى بيت إيل، فقابل فيها وزير الدفاع موشيه دايان مدة ساعة، في حين انتظر عودة في غرفة مجاورة، وكانت حصيلة الاجتماع موافقة دايان على عودة أهالي قلقيلية والقرى المجاورة. ويخبر المهندس الراحل هاني عرفات كيف أوعز رئيس البلدية بالتعجيل بمشاريع بناء ما تهدم خلال الاحتلال، وخصوصًا مستشفى الاتحاد النسائي، حتى تحولت نابلس ورشةً عددُ العاملين في مشاريعها ألف عامل.
ومن القضايا التي اعترضت كنعان في السنة الأولى من الاحتلال تحبيذُ بعضهم إضراب المدارس احتجاجًا على الاحتلال، وهو ما عارضه رئيس البلدية ورآه مناقضًا للمصلحة العامة، وأمرًا يتعامل مع الاحتلال وكأنه طارئ ومؤقت وسيزول سريعًا، فساند الداعين إلى استئناف العملية التربوية التي تدعم – بحسب رأيه - صمود الناس، وتمنع الهجرة بحجة تعليم الأولاد، وتهيئ الأجواء أيضًا لتأسيس جامعات جديدة في مدن الضفة الكبرى.
كان لموقف دايان الإيجابي من عودة نازحي قلقيلية وجوارها أثرٌ في نشوء علاقة شخصية تتسم بالاحترام بين صاحب هذه المذكرات والوزير الإسرائيلي (وهي علاقة تطورت مع الزمن)؛ ما أوجد بعض المآخذ على كنعان. وقد ساعدته هذه العلاقة (كما ينحو ولده طاهر في مقدمة هذا الكتاب) في تجاوز مشكلات سياسية في مراحل لاحقة. ومن المآخذ أنه لم يكن مضطرًّا في الذهاب بالعلاقة مع دايان بعيدًا إلى حد تلبيته دعوته لحضور حفل زفاف ابنه، وزفاف ابنته، وزيارته في المستشفى حين أُصيب خلال ممارسته هواية التنقيب عن الآثار، لكنه – وفقًا لولده الطاهر - اجتهد رأيَه في أنها علاقة تصبّ في مصلحة بلده.
وعلى الرغم من الانتقادات السابقة حول علاقة صاحب المذكرات بموشي دايان، فقد شفعت له مواقف سجّلها عدلي الدلال؛ منها أنه حين حصلت أول عملية إطلاق نار على مركز قيادة الاحتلال في الجنيد بنابلس، وحين اشتبهت القيادة الإسرائيلية في منزلٍ ونسفته من دون بيّنة، توجَّه هو والأهالي إلى المنزل المنسوف يحملون الفؤوس والمجارف وباشروا منشدين أهازيج وطنية بإخلاء الردميات، موردًا قول كنعان حينئذ: "هم يهدمون ونحن نبني"، وذكر أنه أسّس لجنة إعمار لبناء البيوت التي تُهدم، ولجنة لرعاية أُسر الشهداء الفلسطينيين ومن الجيش الأردني، وأخرى لرعاية أُسر السجناء.
وفي موقف آخر لكنعان، مع استمرار نسف بيوت المقاومين، ومنها منازل حمزة طوقان وجميل الخياط وسعيد اللداوي، ثار خلاف حادٌّ بين أبي الطاهر وسلطة الاحتلال، فاستقال أول مرة من منصبه، بالتزامن مع انطلاق هبة شعبية مدوية؛ ما اضطر دايان إلى مقابلته حتى يثنيه عن استقالته، مع التعهد بألّا ينسف بيتًا قبل أن يُطلعه على أوراق التحقيق، وهو أمرٌ اعتُبر أول تراجع تكتيكي من سلطات الاحتلال، وهذا جعل النابلسيين في ذلك الوقت يتمسكون بقوة ببقاء رئيس بلديتهم في عريضة طولها خمسة وعشرون مترًا.
ويروي الدلال حادثة أخرى عن اكتشاف سلطات الاحتلال مستودعًا للسلاح في بيت الهدهد، واستدعاء دايان وأركانُ حربه رئيسَ البلدية و"وجهاءَ البلد" كما كانوا يسمونهم، وأن دايان أشار أثناء وصولهم بوجه متجهّمٍ إلى الأسلحة والمتفجرات والصواعق المضبوطة، وقال بحدة موجهًا كلامه إلى كنعان: "إنها تكفي لنسف نصف المدينة"، فردّ كنعان على دايان قائلًا: "كل القوانين والأعراف الدولية تقرّ للشعب المحتل بمقاومة محتليه، ونحن سنقاوم احتلالكم"، فقاطعه دايان قائلًا: "أتريدها فيتنام؟"، فأجابه كنعان: "نحن قدّها وقدود". وقد كانت رسالة صريحة فهمها دايان ومساعدوه.
ينحو كنعان في الفصل الأول إلى إبداء الشعور بتقصيره ومعاصريه في تدوين أحداث الأوقات العصيبة، مثل ثورة 1938 التي عاش أحداثها ساعة إثر ساعة، بسبب أنه كان "يعيش ليومه" من دون الاحتياط لما يأتي في غده، وهو تقصير استمر مع أحداث حزيران/ يونيو 1967، وكاد يستمر لولا أنه تدارك الأمر في أشد أيام المحنة، فبدأ تدوين يومياتها حالما قدّم استقالته من رئاسة بلدية نابلس، مستعينًا بسكرتير البلدية يحيى عودة في الحصول على التواريخ من مستندات وقصاصات صحف كان كلّفه بالاحتفاظ بها، ومن تسجيلات أحاديثه الصحافية مع المراسلين الأجانب.
وخُصص الفصل الثاني لعرض خمس وثلاثين وثيقة من أوراق كنعان التي تناولت الفترة بين الاحتلال والاستقالة، وهي عبارة عن مراسلات ومذكرات ومحاضر تتناول وحدة المملكة الأردنية الهاشمية بضفتيها، ورفض التعاون مع العدو، والوضع الاقتصادي لنابلس، ومشاركة النابلسيين أهاليَ القدس رفْضَ ضم مدينتهم واستملاك أراضٍ فيها، ورفض إلحاق الضفة بـ "إسرائيل"، ورفض الأمر العسكري 58 والقانون 19 الإسرائيليين بشأن الأموال المتروكة في نابلس، والبطالة بين العمال الفلسطينيين، ووقف إضراب المدارس، ومحضر اجتماع كنعان - ساسون في مبنى محافظة القدس، واستنكار اعتقال الفتيات في القدس، ومقابلة كنعان ممثلي البرلمان الهندي، ومقابلة كنعان مع صحيفة "القدس"، والاعتراض على إبعاد معلمين ومعلمات نابلسيين ومن الضفة، ومنشور التلهوني ضد كنعان في صحيفة "الدفاع"، ومحضر اجتماع كنعان - لين، والاعتراض على اضطهاد أهالي بيت فوريك والاعتداء على المدرسة العائشية بنابلس، ورسالة الأسير الششتري إلى كنعان لحضّه على عدم الاستقالة، ومخطوط بإحصاء البيوت المنسوفة، وبيانات حول شهداء نابلس، ومقالَي كنعان "لماذا بعد التحرير؟" و"كيف نتخلص من هذا الجمود؟" في صحيفة "القدس".
وخصص الفصل الثالث لعرض ثلاث وعشرين وثيقة مستلة من الأرشيفات حول استقالة مقاولي البناء والحلاقين بنابلس، ومطالبة النابلسيين كنعان بالعدول عن الاستقالة؛ ومنهم سائقو السيارات العمومية، وقارئو عدادات المياه، ومخاتير مخيمَي بلاطة وعين بيت، والهيئات النسائية، والاتحاد العام لنقابات العمال، والمعلمون الأردنيون، وافتتاحية "القدس" إثر تعليقات كنعان وهيئات نابلسية على مقال "زعماء بالضفة وقعوا بالمصيدة"، ورفض قرار الحاكم العسكري بطرد النساء، ومحادثات كنعان - فارحي بشأن المناهج التعليمية ومستقبل الضفة الغربية، واجتماع رجال التعليم الفلسطينيين بممثلي وزارة التربية الإسرائيلية، وتقرير فارحي المتعلق بلقاء قيادات نابلسية بعزيز شحادة حول الدولة الفلسطينية، وتقرير فارحي حول لقاء كنعان - فاردي، ومحضر لقاء أشكول - المصري/ الشكعة.
خصص الفصل الرابع للحديث عن مناقب حمدي كنعان واستكمال المذكرات، وقد سبقته شهادة ذات أهمية لبسام الشكعة في صاحب المذكرات يصفه فيها بأنه "كان يستوعب المرحلة الدقيقة للاحتلال، ووقف أمام ممارساته برجولة ووعي، وله أثر بارز في عدم نزوح الأهل عن الأرض. كان عصاميًا وتاجرًا شريفًا بنى نفسه بنفسه، وبلغ مركزه الاقتصادي بجهوده وطموحه، وإن أردت أن أصف حمدي كنعان أقول إنه رجل حقيقي". وينقل الفصل وصف خصوم كنعان الأقربين والأبعدين فيه، فيورد تصريح الجنرال الإسرائيلي إلعاد بيليد لصحيفة "القدس" وقوله فيه: "كنعان نفسه لا يعلم كم أن مدينته مدينةٌ له نتيجة تصرفه الذي أدّى إلى وقف إطلاق النار في المدينة". كما يورد قول محمد العمد في نعي كنعان، وكان منافسًا له على رئاسة البلدية: "فَقِيد الوطن الذي كان مثال الرجولة في وقت زاغت فيه الأبصار، ومثال الصمود في موقعة بلدية نابلس 1967، لم يضعف، وزرع الناس في أرضهم وأعاد إليهم ثقتهم بأنفسهم". ويستعرض الفصل أيضًا فترة رئاسة كنعان البلدية قبل الحرب، لتبيان السياق الذي هيّأ كنعان لمرحلة الاحتلال اللاحقة التي وثقتها المذكرات.
أما الفصل الخامس، فيؤرخ احتلال المدينة من مصادر مختلفة تعيد رسم مشهد الحرب بتفاصيله الدقيقة، مستعرضًا الخطاب الإعلامي العربي؛ بدءًا من "معركة اليمن طريق لمعركة فلسطين"، و"القضاء على إسرائيل"، وقرارات مؤتمر القمة العربي في القاهرة على خلفية تهديدات دولة الاحتلال بتحويل مجرى نهر الأردن، وتفاعل نابلس مع صوت الجماهير "الحرب الحرب، أرسلونا إلى فلسطين"، وهو ما عبّر عنه كنعان في رسالة لأكرم زعيتر جاء فيها: "حدث الأسبوع لا شك في أنّ له شأنًا"، وبرقية اتحاد نساء نابلس التي رأت في المؤتمر فاتحة عهد جديد للعمل الجدي في سبيل نصرة قضية العرب الأولى فلسطين، وبرقيات نابلسية أخرى من عضو المجلس البلدي حافظ طوقان، وفريد فخر الدين، وأمين القاسم، وبرقية رئيسة جمعية الهلال الأحمر رشدة طاهر المصري، التي أكدت أن "المرأة العربية بكافة منظماتها وصفوفها بانتظار النفير لتكتب بالجهاد والدماء آية النصر مع الرجال"، وبرقية رئيسة جمعية الرعاية بنابلس فايزة عبد المجيد التي أشارت إلى ترقّب ولادة "منظمة التحرير الفلسطينية" بالقول: "قرروا فتح جبهة التحرير لفلسطين كالجزائر، فليكن أبناؤها طلائعها الفدائية المظفرة".
من ناحية أخرى، يضم الفصل السادس (الأخير)، تفاصيل لبعض ما أجمله كنعان في المذكرات، وقراءةً لصراعات التمثيل التي سادت خلال الشهور التالية للحرب، والتي انتهت بالاستقالة النهائية. وقد بنيت محاوره استنادًا لما حضر أو غاب في أوراق كنعان من مصادر أولية، أبرزها مكاتبات حمدي كنعان لأكرم زعيتر، وأرشيف بلدية نابلس. وهي مادة أولية ضخمة اقتصرت القراءة التفصيلية فيها على نماذج محددة، واكتفت بإضاءات موجزة وهامشية متعلقة بنماذج أخرى، ولعل هذا الإيجاز يكون حافزًا لإنجاز دراسات لاحقة أوسع بشأن تاريخ مدينة نابلس وبقية فلسطين في العهد الأردني.
وُلد حمدي طاهر كنعان في مدينة نابلس في عام 1910، وتلقّى تعليمه الأساسي والثانوي في مدرستي النجاح الوطنية ومدرسة البرج في نابلس. انخرط في العمل الوطني ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين إبّان المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1937، كما اعتقلته السلطات البريطانية في معتقل صرفند خلال عام 1936 لمدّة قصيرة. انصرف إلى سوق العمل بعد تخرجه من الثانوية لأسباب اقتصادية إثر وفاة والده. شغل عضوية لجنة الدفاع في مدينة نابلس إبّان حرب 1947-1949. شارك في مؤتمر نابلس الذي انعقد في 27/12/1948، وكان عضوا في وفد مدينة نابلس إلى الملك عبد الله بن الحسين، الذي حمل له مقرّرات المؤتمر بخصوص الوحدة بين الضفتين.
انتُخب لعضوية أول غرفة تجارة وصناعة في مدينة نابلس في عام 1953، ثم أصبح أمينًا لسرِّها، وأعيد انتخابه فيها عام 1957 لفترة ثانية وشغل أمانة سرها، ولفترة ثالثة عام 1961 وتولى منصب نائب رئيسها.
شغل مقعد عضوية في مجلس بلدية نابلس منذ عام 1950 ونائبا لرئيس المجلس إلى غاية عام 1963، ليصبح رئيسًا للبلدية في 19/10/1963 بعد أن حصد أعلى الأصوات في الانتخابات التي جرت في العام نفسه. نفّذ سلسلة من المشاريع العمرانية الكبرى في رئاسته. برز بعد حرب حزيران/يونيو 1967 كأحد القيادات المحلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أسهم في تنظيم وإدارة مدينته بعد الحرب، معززًا صمود أهلها ومسهمًا في عودة عدد من المهجرين، خصوصًا مهجري قلقيلية. اختلف والحكومة الأردنية على إدارة ملف الإعانات لمدن وبلديات الأرض المحتلة، وانتهى الخلاف إلى استقالته نهائيًا في آذار/مارس 1969. توفي في مدينة نابلس في 3/1981، ودفن فيها.
يُذكر أن بلال محمد شلش باحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات". يتمحور عمله البحثي حول تاريخ المقاومة الفلسطينية المسلحة على المدى الطويل، مع اهتمام خاص بحرب 1947-1949، والفترة بين 1967-1970. صدر له في هذا المجال كتابان، هما: "يافا دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري: دراسة ووثائق" في مجلدين (2019)، و"داخل السور القديم.. نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس" (2020).