رحل يوم السبت الماضي النحات التونسي بنعيسى الحمروني (1947 – 2022) الذي يُعَدّ من أبرز الفنانين العصاميين الذين لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً منتظماً، لكنه توجّه منذ صغره إلى النحت بالخشب قبل أن ينتقل إلى التعامل مع الصخور التي استحوذت على كامل حياته.
ولد الراحل في مدينة قابس (400 كلم جنوب تونس العاصمة)، وبدأ اهتمامه بالفن وهو لا يزال على مقاعد الدراسة، إلا أنه اضطر إلى تركها، والتحق بورشة إصلاح ميكانيك السيارات بسبب ظروف الفقر التي كانت تعيشها عائلته.
اكتشف الحمروني موهبته منذ أن سرق عصا مدرس اللغة الفرنسية روبير واتينغ، ليحولها من أداة عقاب إلى تحفة فنية مغطاة بزهور أقحوان منحوتة على سطحها، وحين علم المدرس بالأمر لم يعاقب تلميذه على السرقة، بل أصبح موضع اهتمامه.
اشتغل الفنان قبل بلوغه العشرين في مجالات عدّة، مثل أعمال البناء والزراعة، ورغم جهله بقواعد الفن ومعاييره، إلا أنه تمكّن من الحصول على اعتراف المؤسسات الفنية من خلال مشاركته في العديد من التظاهرات والمهرجانات خلال العقود الأربعة الأخيرة.
لم يغادر الحمروني مسقط رأسه، حيث أسّس فيها ورشة فنية، وعاش غير معنيّ إلا بالبحث عن الحجارة والصخور الصلبة التي حولها إلى منحوتات بأدوات بسيطة، وتعامل معها بدقة متناهية، حيث تُعرض العديد من أعماله في معالم سياحية منتشرة في مدن تونسية عدّة.
تأثّر في بدايات مشواره بالمدّ اليساري في العالم خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث خصّص بعض منحوتاته لتشخيص عدد من رموز التحرّر الوطني، من أمثال تشي غيفارا وجمال عبد الناصر وغيرهما من زعماء الاستقلال في القارة السمراء والبلدان الاشتراكية.
كتب الصحافي التونسي معز الجماعي على صفحة فيسبوك مقالاً، ورد فيه: "وسط محل لا يتجاوز مترين مربعين في أحد الأحياء الشعبية بمدينة قابس، نحت الحمروني للتاريخ. فقد قام بتوثيق ملامح عاشها العالم، حرص على تدوينها على الحجر والخشب بأدوات بدائية خولته الحصول على صفة نحات محترف. لا يُنكر أن البداية كانت متعثرة، لكن نجح في تجاوزها على المستوى المادي من خلال إقبال الملوعين بفنّ النحت على شراء أعماله".