يعود أستاذ اللغة الألمانية والمترجم العراقي بهاء محمود علوان، في كتابه "المسرح الملحمي الألماني برؤية عراقية"، الذي صدر حديثاً عن "دار المأمون للترجمة والنشر" في بغداد، إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كان المجتمع العربي، والعراقي خصوصاً، بحاجة إلى مسرح ثوري تقدّمي.
ويناقش المؤلّف التأثير الكبير الذي لعبه الكاتب والمخرج المسرحي الألماني برتولد بريخت (1898 – 1956) على المسرح العالمي، ومساهمته في خلق مسرح يحمل على عاتقه هموم المجتمعات الإنسانية ومعاناتها، من خلال اعتماده على أسلوب جديد متمثّل بالفكر الملحمي، حيث يتقاطع أسلوب العرض والإخراج وكذلك استخدام المؤثّرات الصوتية والإضاءة والديكور مع المسرح التقليدي أو ما يُسمّى المسرح الأرسطوطاليسي.
يتضمّن الكتاب دراسةً لحركة المسرح الملحمي منذُ نشأته بألمانيا في أوائل القرن الماضي
ويوضح كيف تبنّى بريخت نظرية التغريب التي تعتمد أساساً على جعل الممثّل غيرَ متقمّصٍ للدور الذي يلعبه، إذ يتعامل مع النص أو الحوار بأسلوب سردي خال من العواطف الجيّاشة والانفعالات المستخدمة في الأسلوب التقليدي في سبيل كسر الحاجز بين الممثّل والمشاهد، بحيث يكون الأخير غير منساق ومنحاز للحدث من خلال تفاعله مع الممثّل، بل على العكس من ذلك، فإن المشاهد يبقى يقظاً يلاحظ ويقيّم الحدث دون تشنّج أو انحياز عاطفي، وبذلك يصيح المشاهد ناقداً ومتابعاً للأحداث بصورة عقلانية.
ويرى أن بريخت استطاع أن يرسم جوهر المشروع الثقافي والإيدولوجي للإنسان عبر تجاوز المعوّقات المادّية للوصول إلى مستوى الإنسان الفنّان من خلال مسرح يقوم على أساس تعطيل وصول اندماج الكاتب أو الشاعر أو المخرج أو الممثّل إلى المتلقّي، وخلق حالة من الصحوة الذهنية أثناء سير العملية المسرحية، وعليه فإن دور الممثّل في المسرح البريختي هو إحياء المضمون الإيديولوجي في المسرح بابتكارات جديدة.
ويتضمّن الكتاب دراسةً لحركة المسرح الملحمي منذ نشأته بألمانيا في أوائل القرن الماضي، والعوامل التي أدّت إلى نشوئه، مبيّناً أن انعكاسه على الحركة المسرحية في العراق كان على يد روّاد المسرح العراقي، مثل إبراهيم جلال (1921 – 1991)، وسامي عبد الحميد (1928 – 2019)، ويوسف العاني (1927 – 2016)، وآخرين.
ويتطرق أيضاً في بعضِ فصول الكتاب بالدراسةِ والتحليل إلى ماهية المسرح والعوامل التي أدّت إلى نشأة المسرح الملحمي، والنظرية الملحمية في المسرح وفضاءات العرض المسرحي، كما يناقش عدداً من المسرحيات الألمانية التي مُثّلت في العراق بالمقارنةِ مع النسخ الأصلية.