استمع إلى الملخص
- الأم تنثر كلام الأناجيل في قلوب الصبية المذعورين منذ الولادة، موضحةً دورها في توجيه الأجيال الجديدة نحو الخير والأمل.
- الراوية تعبر عن تحولها من شخص متردد إلى شاعرة تجازف بإيقاظ الكلمات المتوحشة، متعلمةً القفز من فوهات مشتعلة وإضرام نار هائلة من جوفها، مؤكدةً على قوتها واستقلاليتها.
والِدي الصَّغير لم يكُنْ عازفَ كنَّارة،
رَغم أنَّ يَدَيْهِ، وأصابعَه الدقيقة خُصوصاً، بَدَتْ مشغولةً،
طوال الوقت
بحياكة كلماتٍ وأشياء لا مَرئية،
تتمزَّقُ لِسماعِها أو رُؤيَتها الطيورُ في السَّماء
والعابِرون الجسورَ على الأرض.
أمِّي البيضاء كجُبنة ريفٍ طازجة،
تَنثُر كلامَ الأناجيل في قلوبِ صِبيةٍ
بَدَوا مَذعورين مُنذ الولادة
بلا سبب واضح.
أمّا أنا التي تلكّأتْ طويلاً
في حُضور هذه الحفلة المُؤذِية،
فقد عَبَّرتُ أكثرَ مِن مَرَّة عن شُرودي
وتَفضيلي لِلمَشي على الحافات،
والانبثاقِ المفاجِئ كالماء مِن شِقٍّ صَخريٍّ،
تَحرّرتُ أخيراً مِن تَردُّدي
واستبدَلتُ مهنةَ الشَّاعرة
المُجازِفةِ بإيقاظ الكلمات المُتوحِّشة،
الموحِشَةِ الوَجْهِ والقيعان،
وتَعلَّمْتُ القَفْزَ كالسِّنَوريات مِن فوهات مُشتعلة.
تَعلَّمتُ أنْ أُضرم ناراً هائلة
مِن جَوفي تَمْتَدُّ أمام عَيني بِلَهيبِها
ودُخَانِها الأزرق.
تَعلَّمْتُ الخطرَ المخيفَ
كأنْ ألِجَ عاريةً صُندوقَ الأفاعي،
وأقضي ليلتي هُناك.
لم أكنْ حَفيدة باندورا
ولَمْ أتلقَّ في حياتي هَديَّةً مِن بَشَرٍ أو إله،
إلّا أنني وأنا أُطلُّ مِنْ شقّ صَخري،
تَدَحْرَجْتُ إلى هذه الأرض،
ودون أن يُغمَى عَليَّ
وَجدتُني أتعلَّق بِهذه الحِبال
وأُقيمُ هذا السيركَ،
الذي لا أقبلُ أنْ يقاسِمَني ألعابَه
أيُّ واحدٍ مِن العابرين أو المُقيمين.
* شاعر وناقد من المغرب