رغم أن "حركة الفنون السوداء" انطلقت من حيّ هارلم بنيويورك منتصف الستينيات، ولم تستمر أكثر من عقد، إلا أن تأثيرها ظلّ حاضراً بقوة لدى الفنانين الأميركيين من أصول أفريقية حتى اليوم، ولا تزال تنظيرات مؤسسها الشاعر والمسرحي أمير بركة تشكّل مرجعية أساسية في مقاومة هيمنة الرجل الأبيض على الفن.
من بين أبرز التجارب التي أنتجتها الحركة، كانت تجربة الفنانة بيتي سار (1926) التي زاوَجت بين الطباعة والأعمال التركيبة، وبين كتابة الشعر وتدوين التاريخ الشفوي، عبر إعادة إنتاج الميثولوجيا الأفريقية والمصرية القديمة في قصص مصوّرة، إلى جانب نشاطها الحقوقي ضدّ التمييز العنصري.
"بيتي سار: قلب متجوّل" عنوان المعرض الذي يُفتتح مساء الخميس، السادس عشر من الشهر المقبل، في "غالير هوستتلر" بمدينة نانتوكيت بولاية ماساتشوستس الأميركية، والذي يتواصل حتى الحادي والعشرين من أيار/ مايو 2023.
يستمّد المعرض عنوانه من قصيدة كتبتها الفنانة بعنوان "قلبي السريّ" عام 1993، تقول فيها: "قلبي السري هائم/ يبحر في بحر الخيال. إنه يحلق وراء الغيوم، ويسعى إلى الغموض. يتحرّك عبر الزمان (وقت الأحلام)، والمكان (فضاء العقل)".
يضيء المنظّمون رحلات سار في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأميركيتين عل مدار أكثر من خمسة عقود، وتأثيرها على أعمالها التي تتأمّل مواضيع مثل الهوية والاستعمار والهجرة القسرية والنسوية والعقائد الروحية، كما تتناول فكرة التجوال نفسها بين الأمكنة والثقافات المتعدّدة.
يضمّ المعرض حوالي ثلاثين كراسة ومخططات للسفر، تحتوي رسوم توضيحية وأعمال فنية تصوّر أسواق السلع المستعملة التي زارتها، والطقوس الدينية والمواسم والأعياد التي شاهدتها في رحلاتها، والإعلانات والمواد التسويقية والموسيقى الورقية والألعاب التي جمعتها خلال هذه الفترة.
في "سلسلة الحنين"، ترتّب مجموعة من الصور القديمة والرسائل والمناديل والزهور المجفّفة وعظام الحيوانات وجلودها والأدوات المنزلية وغيرها من القطع الأثرية وأشياء تتعلّق بالسحر لدى القبائل الأفريقية والتصوّف هناك، بهدف إبراز علاقة الذاكرة بتقادُم الزمن وانعكاسها على الإنسان، وكذلك الجدل بين التقنية والروحانيات.
تستحضر سار في أعمالها المعروضة ثيمات عدة، منها: الصورة النمطية للسود في الولايات المتحدة، كما توضّحها الملصقات الدعاية والإعلانات وأوراق الجرائد التي تمثل فترات مختلقة في التاريخ المعاصر، إلى جانب تلك الترابُط بين الخطاب السياسي وردود الفعل تجاهه في التعبيرات والفنون الشعبية.