حتى القرن التاسع عشر، سادت مقولة أساسية عن تشكّل تاريخ أميركا الوسطى والجنوبية باعتباره تمثيلاً لصفة "اللاتينية" التي تعني هياكلَ سياسية وقانونية ولغات وأدياناً وثقافة الرجل الأبيض، ليُنفى الملايين عن تاريخهم المشترك الذي سبق وصول كريستوفر كولومبس إلى جزر الباهاماس عام 1492.
يفتتح الخميس، الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، معرض "بيرو: رحلة في الزمن" في "المتحف البريطاني" بلندن، الذي يتواصل حتى العشرين من شباط/ فبراير 2022، وتعود محتوياته إلى الفترة الممتدّة بين منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وحتى قدوم المستعمِر الإسباني.
يهدف المنظّمون إلى تحدّي الافتراضات الغربية الشائعة عن تاريخ بناء المجتمعات في أميركا اللاتينية الذي يكشف عنه ازدهار الاقتصاد والزراعة وأنظمة الري والعمارة، وتطوّر السلطة والمعتقدات لدى حضارات نازكا وموتشي وشيمو وكوبيزنيك، وصولاً إلى وواري والإنكا على سلسلة جبال الأنديز.
تناقضٌ بين نيّة المعرض واحتفاظ المتحف البريطاني بآثار منهوبة
لكن رؤية المعرض تتناقض مع حقائق الواقع، حيث يحتفظ المتحف بحوالى ثمانين ألف قطعة من آثار الأميركيتَيْن، كان الحصول أو الاستيلاء عليها من تنقيب البعثات الأجنبية، أو شرائها من قبل "مقتنين"، أو كـ "تبرّعات"، كما توضّح بياناتها، مع إضافة بسيطة تفيد بأن جزءاً منها جُلب زمن "الصراع والنشاط الاستعماري".
تُعرض مجموعة من المقتنيات "المنهوبة" إلى جانب أربعين قطعة استُعيرت من متاحف بيرو، منها غطاء رأس ذهبيّ اللون وأقراط مزيّنة بزخارف منقوشة لوجوه بشرية مع ثعابين وقطط، عُثر عليها في مدافن النخبة السياسية لحضارة كوبيزنيك التي صعدت بين 500 و1500 قبل الميلاد على ساحل المحيط الهادئ.
يضمّ المعرض أيضاً نقشاً إسطوانياً ينتمي إلى حضارة نازكا التي استمرّت حتى القرن السابع الميلادي، ويصوّر مشهد الإمساك بالأعداء المهزومين في أرض المعركة، إلى جانب نقوش أخرى تتضمّن طقوساً جنائزية لتلك الحضارة التي بنت حواضرها في الصحراء البيروفية، واشتهرت بمنسوجات عكست رموزاً وعناصرَ من معتقداتهم التي تقدّس بعض النباتات والحيوانات.
تعكس القطع المعروضة المعتقدات المشتركة لجميع حضارات بيرو، حيث ترتبط معظمها بخوارق الطبيعة التي ساعدتهم، بحسب أساطيرهم، على العيش والاستمرار في واحد من أكثر الأماكن جفافاً في الكون، كما توضّح كيفية استخدامهم تلك الموارد الفقيرة في تشييد الجسور والقلاع والمعابد وما تضمّنته من رسوم ومنحوتات وخزفيات وغيرها من الفنون.
ينتهي المعرض بحضارتي واري والإنكا، اللتين استمرّتا تباعاً حتى بدايات القرن السادس عشر، وامتزجت فيهما ثقافات وأديان وتراث ممتدّ لأكثر من أربعة آلاف عام، وشهدتا تطوّراً في النظام السياسي والتشريعات والقوانين وإدارة المدن مع شقّ طرق مواصلات واسعة وشبكة صرف صحيّ، ومعرفة معمّقة بالحساب وعلوم الفلك والطب، إذ استخدموا نظاماً عشرياً في العدّ والإحصاء، وتقسيماً لأشهُر السنة وأيامها يماثل ما اعتمده البابليون في الشرق، كما يظهر في الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو لمواقع أثرية مثل مدينة ماتشو بيتشو وكهوف توكويبالا وغيتاريرو وقلعة ساكسايهوامان.