استمع إلى الملخص
- خلافات زيدان السابقة مع أعضاء في المؤسسة حول قضايا مثل العلمانية تعكس انقسامات فكرية عميقة، مما يؤثر على التناغم والتعاون داخل "تكوين".
- استقالة زيدان تسلط الضوء على التحديات التي تواجه "مؤسسة تكوين الفكر العربي" في تحقيق أهدافها المعلنة بتعزيز التنوير والفكر العربي المعاصر، وتطرح تساؤلات حول مستقبل المؤسسة.
انشغلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي باستقالة الروائي المصري يوسف زيدان من مجلس أمناء "مؤسسة تكوين الفكر العربي"، واجتناب أي أنشطة أو فعاليات ترتبط بها، وأعاد بعضها التذكير بخلافات سابقة بينه وبين أعضاء في مجلس الأمناء، ربما كان لها دورها الحاسم في خروج صاحب "عزازيل" من المؤسسة التي أثارت اللغط منذ الإعلان عنها قبل نحو شهر.
زيدان فضّل عدم الردّ على هذه التعليقات، موضّحاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن أسباب استقالته كما أوردها في إدراجه الذي نشره على فيسبوك "لتخصيص كل وقتي للكتابة، فهي فقط التي تدوم، وربّما تُثمر في الواقع العربي المعاصر، الذي بلغ حدّاً مريعاً من التردِّي"، وأكّد أن ليس لديه ما يُضيفه الآن على ذلك.
أسباب بدت غير مقنعة لمُتابعين نوّهوا إلى اعتراضات زيدان على الظهور الإعلامي المتكرّر لإسلام البحيري، عضو مجلس أمناء "مؤسسة تكوين"، واعتراضه على مضامين حديثه عن رؤية المؤسسة وأهدافها، وكذلك على قبول البحيري المشاركة في مناظرات مع رجال دين ودُعاة.
خلافات تعود إلى سنوات سابقة عبّر عنها زيدان صراحةً في مقابلات وصف بها البحيري بـ"السطحية والجهل"، على خلفية آرائه حول عدد من الفقهاء والمُحدّثين، كما لم يُنكر خلافه مع الصحافي إبراهيم عيسى حول العلمانية في المجتمع العربي، وبذلك كان التناغُم مفقوداً بين هؤلاء الثلاثة خاصة داخل "تكوين"، بحسب منشورات عديدة على وسائط التواصل الاجتماعي التي احتشدت بتعليقات أغلبها جاء هجوميّاً ويحمل طابع الشماتة بالمؤسسة على تنوّع خلفيات المُعلّقين.
لا يُمثّل أغلب أعضاء ’تكوين‘ مرجعيّة فكرية جاذبة للجمهور
بيانُ مؤسسة "تكوين" الذي صدر بعد استقالة زيدان وتضمَّن تقديراً لجهوده لم يلقَ اهتماماً إعلاميّاً يُذكر، رغم أنّ البيان لم يغفل "الضغوطات التي تعرّض لها (زيدان) في الفترة الأخيرة، وكمّية الهجمات التي طاولته وطاولت المؤسّسة". الضغوطات التي دفعت الروائي المصري إلى نشر الكثير من التوضيحات والتعليقات خلال الشهر الماضي هدف من خلالها إلى إبراز الاختلاف بينه وبين شركائه.
وربما كان الموقف الأبرز لزيدان في سياق رفضه لمناظرة البحيري مع أسامة الأزهري مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية، ورحّب زيدان بلقاء الأزهري بعيداً عن وسائل الإعلام، وبصفته الشخصية وليس لكونه عضواً في مؤسسة "تكوين". دعوةٌ ربما تُشير إلى رفضه لأية خصومة مع المؤسسة الدينية الرسمية.
"تكوين" والسلطة المصرية
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى الروائي المصري صبحي موسى: "أنّ 'مؤسسة تكوين' لم يأت إنشاؤها في صالح التيار المدني، بقدر ما أتت لصالح التيّار الرجعي في المجتمع، ويبدو أنّ الذين وقفوا خلف تدشينها كانوا يعلمون ذلك، خاصة أن مؤتمرها أُقيم في واحد من أهم الأماكن التي لا يمكن دخولها إلا بتصاريح خاصة، وهو 'المتحف المصري الكبير' الذي لم يُفتتح بعد". ويُتابع: "يضاف إلى ذلك أن الشركة الراعية للمؤتمر هي 'شركة المتحدة للإعلام'، بما يعني أنّ جانباً من الدولة المصرية كان يُراهن خيراً على هذه المؤسسة الوليدة، لكنّ أسماء مجلس الأمناء، وحتى الذين ظهروا في الفيديو الإعلاني للمؤسسة؛ يُشير إلى أنه من الصعب أن يتم الرهان على هذه الأسماء، نظراً لتاريخها وتحوّلاتها الكبيرة والغريبة، فضلاً عن أن أغلبهم لا يُمكن اعتباره مرجعيّة فكرية جاذبة للجمهور، أو قادرة على إقناعه بأنهم قادرون على تقديم أمر مختلف عن إثارة البلبلة والبحث عن الأضواء ولو في صفحات الحوادث".
اعترَض زيدان على الظهور الإعلامي المتكرّر لإسلام البحيري
ويُضيف موسى: "لعل 'تكوين' هنا تذكّرنا بالمحامي الشهير الذي تخصّص عقب ثورة يناير في رفع قضايا اتّهام بالفساد على عدد كبير من رموز النظام السابق، لكنّه سرعان ما كان يخسرها، وعندما نتساءل عن هواية الرجل في رفع قضايا وخسارتها، نعلم أنّ هذا كان هدفه الرئيس، لأنه يُحصّن هؤلاء من اتّهامهم مُجدّداً بالفساد، والنتيجة أنّ التيار المدني خسر جولة جديدة في قضية التنوير بسبب خفّة وضعف المتحدثين دائماً باسمها".
ويُوضّح: "إنّ على هذا التيار أن ينتظر عدّة سنوات أُخرى كي ينسى الناس "تكوين" وآثارها، وليتمكّن من خوض غمار تجربة حقيقية يُمكنه أن يشرح فيها للناس نُبل قضيّته وأهمّيتها في تحرير العقل والاعتماد على المنهج العلمي في التفكير والعمل".
ويختم "لا أعتقد أنّ استقالة يوسف زيدان ستُنهي 'تكوين' المهنيّة من البدء، فهناك عناصر سوف تستمرّ لأسباب شخصية وطموحات خاصة، لكنّ المؤسسة بشكل عام فقدت مشروعيتها أمام الشارع، وربّما أمام مموّليها والواقفين خلفها. وربما حسبما تردّد تمّت التضحية بها عبر إشغال السوشيال ميديا لصالح التغطية على قضايا أُخرى أكثر إلحاحاً وهميّة للواقفين خلف 'تكوين'".
تنوير أم إلهاء
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول أستاذ النقد الأدبي الحديث، شوكت المصري: "إنّ فكرة التنوير فكرة مُستحبّة وعظيمة، لكن يتمّ إتلافها أو تشويهها أو التقصير بحقّها من خلال رفع أسماء معيّنة لشعار التنوير، وهُم أبعد عنه على مستوى الثقل المعرفي أو على مستوى القدرة على الاشتباك الفكري".
المصري الذي شارك في المؤتمر السنوي الأول لـ"مؤسسة تكوين الفكر العربي" في القاهرة، يعتقد "أنّ قكرة 'تكوين' ممتازة والأسماء المشاركة في تأسيسها معقولة وإن كانت ليست مهمّة، فالحديث عن التنوير يحتاج وجود أسماء مثل: محمود إسماعيل ومراد وهبة وخالد فهمي وعبد الفتاح كيليطو وعلي زيعور".
ويُضيف "استقالة يوسف زيدان كوجوده. لا فرق، ولن يؤثّر شيئاً لأن 'تكوين' نفسها لم تخرُج ببيان تأسيسي واضح، ولم تخرج ببرنامج عمل واضح، ولم تخرُج بتوجّهات معيّنة، واعتمدت على منجز أعضائها الفردي، إن كان لديهم منجز، إذ إنهم مختلفون في ما بينهم ومختلَف عليهم أيضاً، ولا يُمكن المساواة بين أعضائها الذين لا تقاطُع بينهم أساساً".
ويؤكّد المصري "أنّ 'تكوين' لم تخطُ إلّا الخطوة الأولى عبر ظهور أعضائها في إعلانات ومقاطع فيديو قصيرة، وكذلك التغطيات الصحافية لندوات عُقدت على مدار يومين، ضمن احتفالية بخمسينيّة طه حسين الذي احتفَت به جهات ثقافية عديدة، وبذلك لا جديد قدّمته، وليس هناك تكوين من أجل التنوير"، لافتاً إلى "أنّ مشاركته في المؤتمر تنحصر في تقديمه ورقة حول طه حسين بوصفه مؤسّساً للنقد الثقافي، حول الشخصية التنويرية التي امتلكت مشروعاً كاملاً، وليس مشروعاً مجتزَأً أو مشروعاً للاختلاف لمجرّد الاختلاف".
ويُشير إلى "أنّ التنوير يجب أن يكون مشروعاً مؤسَّسياً؛ مشروع دولة، وليس فرديّاً أهلياً، وأن يكون على مستوى وزارة الثقافة والتربية والتعليم يشارك المفكّرون في وضع أُسسه، مبيّناً أنّ أسماء قليلة من الثقافة المصرية والعربية امتلكت مشروعاً مثل طه حسين أو أفكاراً تنويرية كنصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري وعبد الفتاح كيليطو وآخرين".
وختَم المصري في حديثه إلى"العربي الجديد": "إنّ بعض الأسماء في 'تكوين' أساءت للتنوير ولم تأتِ بجديد، وهم يحصرون تكوين في الاختلاف وليس في البناء، بينما التنوير مشروع بناء للعقل والوعي الفردي والجماعية، ومحاولة تغيير الأفكار، وتغيير نمط التفكير عند المجتمعات، ورعاية الموهوبين والمثقفين والباحثين الجادين".