مرّت قبل أيّام الذكرى الثالثة عشرة للثورة في تونس، والبلاد قد عادت إلى وضعيّة يُمكنُ وصفها بـ"الاستبداد الناشِئ"، الذي يمضي في تصفية مُكتسبات الثورة باسم الانتصار لها.
عشرُ سنوات مرّت أيضاً منذ المُصادقة على دستور 27 كانون الثاني/ يناير 2014، بعد مخاضٍ عسير حمل وعداً ديمقراطيّاً شوّهته الممارسات السياسية والإعلامية التي تحكّمت فيها قوى المال بشكل مؤثّر. كذلك يُصادف التاريخ ذاته مرور سنتين ونصف تقريباً على الانقلاب على الدستور واحتكار كلّ السُّلطات، تمهيداً لتأسيس نظام على أنقاضه يقوم على حُكم الفرد.
ضمن هذا الإطار، تنعقد بعد غدٍ السبت ندوة بعنوان "الاستبداد الناشئ: تناقُض الخطاب والمُمارسة، وأزمة القوى الديمقراطيّة"، في "قاعة الريو" بتونس العاصمة، وتنظّمها "جمعية نشاز" و"الهيئة الوطنية للدّفاع عن الحرّيات والديمقراطية" و"المفكّرة القانونية" فرع تونس.
تبدأ أشغال الندوة عند التاسعة صباحاً، وتتواصل حتى الثالثة والنصف مساءً، وتنقسم إلى ثلاثة محاور، هي: "السياسة بين التجريم وردِّ الاعتبار"، و"السيادة الخاوية"، و"الفشَل الاقتصادي والاجتماعي"، ويُشارك فيها باحثون في الشأن القانوني وحقوقيّون وناشطون تونسيّون، وهُم: العياشي الهمامي وكريم المرزوقي وماهر حنين وعلا بن نجمة وشيماء بوهلال ومهدي العشّ وملاك الأكحل ووليد بسباس وحسام سعد وأُميمة مهدي.
يركّز المشاركون في مداخلاتهم على العام المنصرم 2023، بوصفه "منعرجاً استبداديّاً خطيراً"، حمل معه تجريم الفعل السياسيّ، بعد استكمال تفكيك كلّ السُّلطات المضادّة وإخضاع القضاء إلى التعليمات عبر الإعفاءات والتهديدات العلنيّة.
كما ترصد أوراق الندوة مسائل مختلفة، مثل سلوك السُّلطة تجاه المُحامين والصحافيّين والنقابيين والنشطاء، وإيقاف المواطنين من أجل تدوينة أو "غرافيتي"، وغَلْق الفضاء العامّ واحتكار الخطاب السياسيّ، وميزانية 2024، وملفّ الهجرة، والاكتفاء بخطاب شعبوي حيال القضية الفلسطينية يفتقر لمضمون سياسي واضح، والعَجز عن إيجاد حلول للمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة، على عكس وعود الرَّخاء والعدالة التي ما انفكّ يطلقها.
في المقابل، وحسب مُنظِّمي الندوة، لم ينجح الخِطاب المُناهض للسُّلطة في فَضْح تناقُض سياساتها مع شعاراتها، كما لم ينجح المجتمع المدني في بناء قراءة موضوعية لدوافع تأييد قطاعات شعبيّة للرئيس قيس سعيّد، ولا خرجت القوى الديمقراطيّة والمدنيّة بعدُ من حالة العجز.