بعد عام ونصف من التأجيلات، بسبب الجائحة وموجاتها المتتالية، بدا أن شعار الثقافة في النصف الثاني من 2021 في تونس هو الحرص على تنظيم التظاهرات بأيّ ثمن، وكأنّ الأمر يتعلّق بعدم احتمال مزيد من احتجاجات المثقّفين على توقّف الأنشطة الإبداعية. لكنّ النتيجة بدت باهتة، حتى أنها أعادت سؤال جدوى تنظيم الكثير من التظاهرات: هل من أجل تقديم مادّة ثقافية جدّية وتوفير فضاء لتفاعل الناشطين في قطاعٍ ما، أم أن الأمر أقرب إلى تقليدٍ مُفرَغ من كلّ معنى، ما عدا تدوير بعض المنافع المادّية كوسيلة إنعاش للحياة الثقافية؟
يتجلّى ذلك في قطاع الكتاب، حيث انتظم معرضان عنوانهما تحدّي العودة لتنظيم المعارض بعد قوس عام ونصف من الإغلاق؛ الأوّل أُقيم في حزيران/ يونيو (المعرض الوطني)، والثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر (المعرض الدولي)، وكان قاسمهما المشترك انتقادات الجمهور والناشرين على التنظيم الاعتباطي، بدايةً من الموعد الذي جرى اختياره لكلّ واحد منهما وصولاً إلى الدعاية، حتى أن الأمر بدا لكثيرين وكأن هناك تنفيراً مقصوداً. ولولا جهود المؤلّفين ودور النشر في ترتيب بعض اللقاءات بالقرّاء والتعريف بالإنتاجات الجديدة لقلنا إن شيئاً لم يحدث في 2021.
يعكس المعرضان الواقع نفسه: واقع النشر؛ حيث تنخره آفات كثيرة تجعله غير قادر على التعبير عن مشهد تبدو طاقات مبدعيه مهدرة في حسابات دور النشر، كشبهات التلاعب بالمال العام دون أن نجد إرادة حقيقية في فتح ملفّات كثيرة، وطبع الأعمال ضمن منظور مناسباتيّ ضيّق (قُبيل كلّ معرض تحديداً)، حتى أننا لو حاولنا رصد إصدارات العام سنجد أن معظمها قد طُبع خلال أسبوعين أو ثلاثة.
في كلّ القطاعات، هناك صمت طوال العام ثمّ لهفة إنتاجية بمناسبة ما
يُشبه هذا الانحسار الزمني جميع وجوه الثقافة في 2021: صمتٌ طوال العام ثمّ لهفة إنتاجية تدور حول مناسبة ما وبعد ذلك يهدأ كلّ شيء. بين شهري تشرين الأوّل/ أكتوبر وكانون الأوّل/ ديسمبر، جاءت، متلاحقةً، "أيام قرطاج" السينمائية فالمسرحية فالموسيقية. لم يكن للجمهور الوقت ليستردّ أنفاسه حتى يبدأ مهرجان جديد، لكنْ ما الجديد حقّاً من وراء ذلك؟
صحيحٌ، توجَد أفلام جديدة ومسرحيات وعروض موسيقية تحمل تصوّرات، لكن أيّ وقع لكلّ ذلك؟ ما الذي يبقى في ذهن المتفرّج بعد فترة قصيرة؟ هكذا، ينبغي ألّا نغترّ بكثرة الأنشطة الثقافية خلال الشهور الأخيرة من العام في تونس؛ لا ينفع ذلك إلّا في الإحصائيات الإدارية التي تشير إلى صدور ألف كتاب في العام وعرض أكثر من مئتي مسرحية وتنظيم عدد أكبر من المعارض التشكيلية. تُنتج الحياة الثقافية التونسية ذلك فعلاً، لكن وكأنّها لم تُتنج إلّا القليل.
في نهاية العام، لا يسعنا إلّا أن نتوقّف قليلاً أمام هذا الحرص على تنظيم التظاهرات الثقافية في مواعيدها، وإنفاق المال العام عليها بسخاء، وأن نتساءل، ولا نملك غير ذلك: لماذا لا يحب أحد أن يعرف، كم قُرئ من كتاب، وكم عدد الحضور في ذلك المعرض أو تلك المحاضرة؟