رحَل فجر اليوم الخميس الشاعر الأردني جريس سماوي (1956 – 2021) في عمّان بعد تأثره بمضاعفات فيروس "كوفيد – 19"، بعد رحلة طويلة في العمل الثقافي والإعلام بدأت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وترك وراءه مجموعة شعرية واحدة إلى جانب أكثر من مخطوط كان من المفترض أن ترى النور قريباً.
حاز الراحل درجتي البكالوريوس في علوم الاتصال من "جامعة نيو كوليج أو نيو ويورك" بالولايات المتحدة، وفي اللغة الإنكليزية وآدابها من "الجامعة الأردنية"، ثم عمل معدّاً ومقدّما للعديد من البراممج الثقافية في التلفزيون الأردني بين عاميْ 1992 و1997.
بعد ذلك، شغل سماوي منصب نائب لمدير "مهرجان جرش للثقافة والفنون" حتى عام 2001، ومدير له وصولاً إلى سنة 2006، وهي الفترة التي توسّع اهتمام المهرجان بالشعر والثقافة عموماً من خلال استضافة عشرات الكتّاب والشعراء من جميع أنحاء العالم، قبل أن تتراجع التظاهرة في برامجها كمّا ونوعاً، كما عين وزيراً للثقافة عام 2011 لعدّة أشهر.
أصدر مجموعة شعرية بعنوان "زلة أخرى للحكمة"، عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" ببيروت سنة 2004، التي أعاد فيها إنتاح العديد من الأساطير والوقائع التاريخية في لغة تأملية ترصد مصائر الإنسان ومعنى وجوده، حيث تحتشد الإيحاءات والدلالات الدينية أو الأسطورية في تاريخ المنطقة العربية ومنها حرب البسوس وأرض جلعاد والمسيح وغيرها.
كان يستعد لإصدار مجموعة ثانية قريباً، كما وثّق نماذج من الشعر الشعبي في الأردن
يقول جريس في مقابلة صحافية سابقة "أنا لا أستخدم الأسطورة بشكل مباشر في القصيدة بل أحاول أن أقيم مناخات أسطورية، أن أصل بما هو إنساني وعادي إلى مستوى المجاز الشعري الأسطوري، وكأني آخذ موجوداتي في سفر عالم الإغريق الأسطوري، أساطير بلاد الشام القديمة.."، ويضيف في المقابلة ذاتها "إلى أين يقودنا الشعر؟ هل يقودنا إلى هاجس معرفي؟ هل يأخذنا إلى القلق الكوني الذي لا ينتهي؟ هل علينا نحن الشعراء أن نحدث حلولا لما يحدث في عالمنا؟ وهنا، نقول لا بل إننا نحن "المجانين" الذين يرغبون في التعري أمام الشمس لا كي نقيس ثيابا جديدة ولكن من أجل إعادة القدسية إلى أجسادنا وأرواحنا وضمائرنا، علينا نحن الشعراء أن نهرب من الساسة وتجار الكلام من أجل إعادة الصدق والثقة إلى الكلمة الحافية السائرة في الطرقات والأحلام".
إلى جانب اهتمامه بالشعر حيث كان يستعد لإصدار مجموعة ثانية قريباً، كما وثّق سماوي الشعر الشعبي في الأردن الذي حفظه من مصادر متعدّدة، وكان مهموماً في إصدارها بكتاب يبيّن تقاطعات هذا الشعر مع التحولات الاجتماعية والسياسية منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.
يكتب في قصيدة الصديق "هاجمتني الخيول الخرافية../ اقتادني التيه في غيّه/ المرتمي في فراغ يتيم/ شدني من شعر بوحي/ وسد فمي/ ورمى كتبي في غموض السديم/ من غروب قصتي أتيت/ على صهوة العزلة الراجفة/ حاملاً قلق الأرضفة../ عندما جاءني صاحبي من نعاس بعيد/ هدهد الروح إذ فاجأتها ارتباكات أحلامها، باح بالسر لي/ ما بكى إذ رأى جثتي/ قلت يا صاحبي وأبي: إنني من بقايا الناسطرة التائهين، خانني أسقفي ورعاتي ومدى الأبرشية ضاقت به ملتي../ النساطرة انقرضوا يا بني/ ولكنني يا أبي لم أزل./ إن روما التي سرقت ديننا/ مثلما سرقت حنطة الروح من كل أهرائنا/ لم تزل تستبيح الذرى/ هل ترى يا أبي/ هل ترى..".