حارث سيلايجيتش: الشاعر في رحلته

03 ديسمبر 2020
حارث سيلايجيتش (Getty)
+ الخط -

تحضر القصيدة لدى الشاعر والسياسي البوسنوي حارث سيلايجيتش (1945)، بوصفها فضاءً لمقاربة قضايا عديدة تشغله في التاريخ والسياسة والثقافة، حيث لا تنفصل لديه الكلمة في معناها الشعري عن رؤيته للواقع، إنما تأخذ أسلوباً مغايراً في التعبير عنها، وبذلك يقف المتابع أمام الانشغالات ذاتها داخل النص وخارجه.

بُعدٌ آخر يبرز في شعره متعلّق بتأمّلاته في الحياة والموت، ومعنى الإنسان ووجوده، وغيرها من التساؤلات الفلسفية التي لا يكفّ، أيضاً، عن طرحها في مجموعته الشعرية "ملتقى الكلمات"، التي صدرت حديثاً نسختُها العربية بترجمة الكاتب الأردني إسماعيل أبو البندورة عن "الآن ناشرون وموزّعون".

تبدو هذه الحمولة المعرفية والثقافية، إلى جانب تفرّغ سيلايجيتش للعمل العام، سببين أساسيين في تأخُّر إصدار كتابه الشعري الذي يأتي في لحظة نضج يحكمها تصوّره من ضرورة "إنقاذ العالم بالشعر" - كما يوضّح مواطنه المفكّر والناقد أسعد دوراكوفيتش (1948)، في مقدّمته - في محاولة لتخليص هذا العالم من الابتذال والبشاعة بواسطة الشعر.

محاولةٌ لإنقاذ العالم من الابتذال والبشاعة بكتابة الشعر

تصديقاً لهذه المقولة، يثبّت سيلايجيتش موقفاً ينتمي إلى منظومة قناعاته الراسخة بالعدالة والحرية، فيدوّن في إحدى قصائده: "سمعت الفلسطيني يقول:/ أحمل حفنة من تراب البلاد/ والتراب طعامي عندما أموت/ وستبقى بلادي في لحمي/ وأنصت لنفسي وهي تتباهى:/ بلادي واسعة لا يمكن نقلها بالحفنات/ كافية لأكون منغرساً فيها/ وعندما تأزف الساعة/ يمكنها أن تغمر كياني... ".

ومرّةً ثانية، يُحاكم الشاعر أخلاقياً أحد الكتّاب الروس، الذي كان مع المعتدين على تلال سراييفو، وقام بقنص السكّان المحاصَرين فيها أثناء الحرب البوسنية خلال تسعينيات القرن الماضي. وفي قصيدته يصف كيف جاع الناس خلال الحصار ولم يجدوا سوى قليل خبز وماء إلى أن وصل "ضيف" من بعيد ورمى الناس ببندقيته حيث سقطوا مثل الدمى، حيث يكتب في وصف المشهد: "سراييفو العطشى.. الجائعة/ سراييفو المدماة/ لا تشبع/ أقنعة العالم الكبير تذوب/ وعلى سراييفو/ المغسولة من الأوهام/ على ساحة الموت تلك بين الجنّة والنار/ يسقط التاريخ/ التاريخ الذي نسيته أوروبا../ تاريخ حقيقي ذو لون واحد/ بدون مرايا.. بدون آخر/ غير ملوث بحب الإنسان،/ غير ملوث بنداء السلام/ بدرع أو بدونه.. منتصر دائماً../ تاريخ قدري سماوي".

ملتقى الكلمات لـ حارث سيلايجيتش - القسم الثقافي

مساحة أُخرى تستحوذ على نظرة سيلايجيتش تجاه الكون والإنسان وما يتولّد عنها من صور ويفيض من دلالات، بلغة تنزع نحو الشذرة والومضة السريعة المكثّفة بالمعنى والإشارات، حيث يقول في قصيدة "انتظار": "على الطريق نفسه/ داعبت الحياة/ رغبت في اللحاق بها/ لكن الحياة غذّت الخطى/ كي تسبقني../ أقف الآن وحيداً/ وراء الحياة، في مكان ما حيث كانت الطريق/ وأنتظر.. ".

تتكرّر الأفعال والصفات والمفردات التي تدلّ على الرحلة في الحياة/ الكتابة/ الشعر مثل: درب، وطريق، وخطوة، والزمن، وخط، وسرعة، وحدود، ويرحل، وحواجز، والشارع، ونعبر، والبداية، والنهاية، ومرور، وصعود، ويغادر، والأزقة/ الازدحام، ويصل إلى بيته أو لهدف ما، والعودة، وقادمون، ويجيء، والأقدام، وهدف، والأمام، والوراء، ومسار، وكأن الكلمات تسير مع الشاعر لتصبّ في ملتقاها، كما يشير عنوان المجموعة، والتي يتحدّث عنها في قصيدة "أنا الرحالة" قائلاً: "لم أبحث عن المخفي/ ربما/ لم يخف الضباب المسافات؟/ أتوقّف عندما تنحني شعلتي/ هل أستطيع/ قبل أن تطفأ الشعلة/ أن أنظر في داخلي؟".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون