حسام الدين علي مجيد.. الفاشية بين لوكاش وهوركهايمر

23 مارس 2023
أوبري ويليامز/ غويانا
+ الخط -

"التشيّؤ بوصفه مدخلًا إلى الفاشية: قراءة مقارنة بين جورج لوكاش وماكس هوركهايمر" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" لأستاذ الفكر السياسي والباحث العراقي حسام الدين علي مجيد.

يعالج الكتاب طبيعة العلاقة بين ظاهرتَي التشيّؤ والفاشية في الأدبيات الماركسية والليبرالية، عبر توجيه إضاءاتٍ إلى تساؤلٍ مركزي: هل التشيّؤ أمرٌ عَرَضي أم هو ظاهرة أصيلة ذات آثار واسعة تحتوي على ثقافة المجتمع ومؤسساته؟

للإجابة عن هذا السؤال، جاء الكتاب موزعًا في ثلاثة فصول: يُعنى الأول بمنظور جورج لوكاش وتطويره مفهوم التشيّؤ وأوجه اختلافه وتشابهه مع كارل ماركس، ثم يَلِج في قراءة ماكس هوركهايمر للتشيّؤ وكيفية تمخّض التطرف الفكري في بيئته الاجتماعية، ومدى اختلافه عن ماركس ولوكاش. 

يعالج الكتاب طبيعة العلاقة بين ظاهرتَي التشيّؤ والفاشية في الأدبيات الماركسية والليبرالية

ويتناول الفصل الثاني خصوصية الألمان الثقافية وهاجسهم بشأن كيان الدولة، وأسباب تبلور الحركة الفاشية بعامة والنازية بخاصة، والوقوف على ماهيّة الرباط بين التشيؤ، بوصفه ظاهرة اجتماعية، والتطرف الفكري، فضلًا عن الخوض في منظوراتٍ أخرى ليبرالية واشتراكية، مثل منظورَي إرنست نولته وفرانز نويمان.

أما الفصل الثالث فيعالج انتقادات الماركسيين والليبراليين لنظرية لوكاش، ويتخذ من أكسل هونيت نموذجًا لقراءة أوجه الغموض في النظرية وأبعاد توسعته المعاصرة لدائرة التشيّؤ وكيفية اجتثاثه في سياق بناء المجتمع العادل.

غلاف الكتاب

يشير الكتاب إلى أن هوركهايمر يجعل التنوير بأسره موضع تشكيك ومساءلة حادّة، من زاوية أنّه لم يستطع تخليص الناس من الخوف والخرافة، ولم يصبح الفرد في ظلّه مالِكًا لإرادته ورغباته الذاتية؛ فما آل إليه التنوير البرجوازي هو أنّ عقل الإنسان الغربي تحوّل إلى قوة شمولية على نحو لا يستطيع أيّ شيء اعتراض سبيله والوقوف في مواجهته، ما يؤكّد فكرة أنّ الجاني (العقل) تقمّص دور المَجني عليه (الأسطورة)، ليحلّ بذلك العقل الأسطوري محلّ عقل التنوير الذي أراد التخلص من الأسطورة في بداية عصر التنوير، أي أنّ هذا العقل أضحى مندمجًا مع نقيضه المتمثل في "الأسطورة"، على نحو جعل "الأسطورة" هي العقل نفسه. كما أنّ الطبيعة أصبحت موضوعًا ماديًا ومجردًا يشمل كل ما هو إنساني وغير إنساني على حدٍّ سواء. وبذلك يعاني الناس بوجه عام الاغتراب الكلي عن الموضوعات والأشياء التي تقع أساسًا تحت هيمنتهم وسيطرتهم الملموسة، ويصبح الجانب اللاعقلاني من الإيمان والمعتقدات بمكانة المصدر الرئيس للعقلانية، فيستقي منه "المتنوِّرون" أفكارهم وطروحاتهم ليقودوا المجتمع إلى البربرية والجنون السياسي، أي الأنظمة الاستبدادية والشمولية، ولا سيّما الفاشيّة والنازيّة في القرن العشرين، على الرغم من انتهاج التنوير البرجوازي وممارسته الحرية الفردية والإخاء، والمساواة والعقلانية.

وبيّن الكتاب أن لوكاش يرى أنه لكي تواجَه الفاشية في ألمانيا، لا بدّ من "الثورة ضد الفاشيّة الألمانية ثم العمل على إزالة التراث الليبرالي". وفي ما يخصّ الشّق الأول من مشروعه المناهض للنازية (أي الثورة ضد الفاشيّة الألمانية)، نجده منسجِمًا مع دعاة مدرسة فرانكفورت بصورة عامّة في ما يتعلق بأن "الاضطهاد الفاشي والبربرية الفاشيّة لا يمكن الإطاحة بهما إلا حين يتكتّل كل الشعب الشّغيل في ألمانيا [...] إنّ الفاشيّة لا تتم الإطاحة بها عبر تبدلاتٍ ’سياسية واقعية‘، بل عبر ثورةٍ ديمقراطية يقوم بها الشعب الألماني نفسه". ويكمن السبب المركزي لدعوة لوكاش إلى "إزالة التراث الليبرالي" في أن الليبرالية البرجوازية تنظر إلى التعبئة الثورية للجماهير من زاوية أنّها "الخطر الأعظم ونهاية التقدّم والحضارة، وهو ما يحتِّم على الليبرالية أن تذهب إلى هؤلاء الشركاء [أي النازيين] لتستجدي مساوماتٍ من أولئك الذين لا يميلون إلى التفاوض معها أبدًا"، ما يَشي بفكرة أن الليبرالية البرجوازية تشتمل، بفعل ظاهرة التشيّؤ ورسوخها فكرًا وممارسة، على القابلية الذاتية للتحالف مع خصومها الأيديولوجيين، بل مع أيّ مشروع فكري لاعقلاني، وذلك لمجرد استمرارية النظام الرأسمالي وبقائه على قيد الحياة مهما كان الثمن، ومن ثمّ الوقوف على الضدّ من الاشتراكية ومشروعها التغييري، وهو ما أدركته تنظيمات الفاشيّة الكلاسيكية في ألمانيا وإيطاليا بصورة خاصة، في سياق تحالفاتها السياسية إبّان فترة بين الحربين الأولى والثانية، كما تدركه الأحزاب الفاشية الجديدة والشعبوية في يومنا الراهن.
 

المساهمون