حقيقة الظِّل

10 اغسطس 2024
مينوتّي ليرّو
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الليل والظلال:** يوصف الكاتب الليل والظلام الذي يخفي كل شيء، حيث تسعى الظلال لنسيان النهار والهروب من الحقيقة المؤدية للفناء.
- **الذكريات والحنين:** يسترجع الكاتب ذكرياته مع والده، ويعيش لحظات من الحنين تحت النجوم والقمر، محاولًا إيهام نفسه بأن الحياة لا تمضي.
- **التأمل في الحياة والموت:** يتأمل الكاتب في الحياة والموت، مشيرًا إلى أننا ظلال وأضواء منعكسة، ويعبر عن فزعه من تدهور حالته الجسدية.

خطوة فخطوة يُسدِلُ الليلُ ستارتَهُ
الحالكة التي لا يقوى مسمارٌ على خَدشِها
لا ولا يخطُّ فوقها قلمٌ كلمةً أو صورةً دون أنْ يَضِلّ
في حتميّة ضجيج الصمت ذاكَ.
تحتجِب الأكماتُ كأنّ أفواهًا ابتلعتْها
وتهبُّ رياحٌ خفيفةٌ تعصِفُ بالمَخاوف الأخيرة
الرابضة على أقدامِنا كما الأوراق. 

على حيْن غَرَّة تُقبلُ الظِّلال: القِططُ تبْحثُ عنْ مأوى
هربًا من البُروق التي تُنبِئ بنيرانِ المطر
ودَويِّ الرَّعدِ الذي يَرسُمُ الدهشة على الوجوه
الهائمة تحت أضْواءِ البُيوت. كلُّ شيء يسْعى إلى نسْيانِ النهار.
وسرْنا، نَشْتملُ بمُخْملِ العَتَمة ذاك،
كيْ لا نكون هناك، حيْنما تؤول الحَقيقةُ الوَحيدةُ مرّةً أُخرى إلى الفَناء
ولا نَرى سوى مادّةٍ هشّةٍ تتفتَّتُ
ما بيْن أنْصال الشمس.

نظَلُّ ههنا، الآن، لنوهِمَ أنْفسنا أنّ الحياةَ لا تَمْضي
وسيُمكِننا أنْ نعشَقَ بعضَنا، مرّة أُخرى، تحتَ النجومِ الدافئة
والقمرِ الملتهِبِ بالنظراتِ الحارِقة لكلِّ العاشقين
النظرات التي تَقتاتُ على الأدْخنَةِ المُنبَعثةِ من الأجْساد.
فلنَتهْ في اللانهاية التي نكتَشِفها في الأعْين
وفي كلِّ خفْقةِ رمْشٍ حينما تَهْفو الأجْفان
وهي تخُطُّ إيقاعَ الزمنِ وتُنبِئُ عن جوهَرِه.

ونَجرؤ على إبقْاء الأعيُنِ مُغْمضة
لِنَنظُرَ أخيرًا في أعْماقِنا، ونقْرأ الشريطَ الباهِت
للذاكرةِ التي طويْناها
في الدُّرجِ الأخيرِ من القلب.
هأنذا أرى الألوانَ الأُولى، دَعاسيق برْتقاليَّة
على يدِ أبي الذي يرْكَعُ على عُشْبِ الجَبل المقدَّسِ
كيْما يُطْلعني على السرّ.
وها هي سَنْدرةٌ من القَشِّ والأعوادِ، متراصّة البُنيان
حيثُ بمقْدوري الطيران أو الاخْتباء، دون مخاوف النهار.

النباتاتُ هنا خَضراءُ فعلًا، والرجالُ لهم أيدٍ
تَمسحُ على وُجوه الفُقراءِ في عالَمٍ
يخلو من الفُقراء.
آهٍ أيّتها الأيْدي، ما نفْعُ الأيْدي في حقلٍ من الأغْراض 
التي لمْ تعُد لنا، سوى جَرحها حدَّ الموتِ
برغباتنا في التملُّك، بُغْية فكرةٍ مجنونةٍ توهِمُ العقْل
بالتقدُّم، إلّا أنّه لا هَدفَ لها غيْر ملْء مَعِدِ الدود؟
ما نَفْعُ الأعيُنِ إذا كانَ كلُّ ما قدْ يُمكنُنا رُؤيته 
يأتي فقطْ في اللّحظاتِ المظْلمة، حينما نظُنُّ،
وبكلِّ حماقة، أنّنا عُمْيٌ.


3

لو أدْركنا أنَّنا حبّاتُ رملٍ
لأحْكمنا إغلاق النّوافِذِ والأبواب
كيْ لا تُقطّع الرِّيحُ أوصالنا.
ولَتَدحْرجنا على الشطآن
في الأيام المُشْمسة
لنرْتُقَ الثقوبَ في الأجْساد.
لاحْتشدْنا، بِبهْجةٍ، في كلِّ إناء
كيْما نسْلِبهُ شكْلهُ ورَوائِحَه.


5

ها هي الحَقيبَةُ الأخيرة مفتْوحة
على ارْتيابٍ راجِف.
وفي عَتَمةِ نُعاسهِ يقِفُ أبي إلى جانِبي
وها أنا أسْمعهُ يبْكي
على ما فطِنَ إليْهِ في هَواءِ أَيْلول.

آهٍ، كمْ مرّة سأرْمي بِناظريَّ إلى الوَراءِ
وأنا أراكَ وحيدًا،
قُربَ أَوار الجَمْر
في انْتِظاري. 

الأحمرُ، الأسودُ
خيطُ الأسنانِ...
والفَراغ يُوشكُ على الامْتلاء
في الظاهِر.

تَصرُّ نافِذةُ الشُّرفة
وينْزلُ بيْن قدمَيَّ القطُّ العَجوز.

تُوشكُ نبضاتُ قلْبي على التوقُّف
ثمَّ فُجاءةً:
يَنْبضُ، يَنْبضُ، يَنْبض
الرِّيحُ على الباب:
إنّها روح منْ لا يَعود
لهُ صوتٌ مَكْسور ...

ولكنّها اللّحظة، إنّها جاهزةٌ:
قصيدَتي الأَخيرة بهذا القَلم.

إليْكَ
فقطْ
أتْرُكُ
الحِبرَ من أجل اللَّهو،
والوَرقةَ من أجل النار.


7

إنْ كانتِ الحَياةُ حَشدًا من الأنْهارِ الجافَّة
التي تحْملُ إلى البَحْرِ صَدى المياه،
فإنّنا لسْنا سوى ظِلالٍ،
أضواءٍ مُنعكسةٍ لأجْسادٍ ميْتة
لا مَصبٍّ لها ولا مرْفأ.


10

اللّانِهاية في أَعْماقِ
أعيُننا.
ليْستْ في الخارج، ولا في الأشْياء
التي في العالَم،
بلْ في ظِلالِها.

اللّيْلُ، المَوتُ، خَفقُ الأجْفانِ،
تُعيدُنا إلى الكَوْن،
خارِجَ الزَّمن.


11

إذا ما رفَعْتُ رأسي عنِ الوِسادةِ في أعْماقِ اللَّيْل،
حيِنما تنْبَسطُ على الأرْضيَّةِ نِصالٌ صغيرةٌ من الضَّوْء
يثِبُ أمامي فَزعٌ عَسيرٌ على الفَهم: إنَّها المرْآة:
الماءُ المُتجمِّدِ في الأُطُر، المادَّةُ الشيْطانيّةُ التي تَصنَعُ الصُّنو
خُدعةُ الجَسد، الشبيهُ لوُحوشِ الهَواجِسِ اللّامعدودة.


15

في المرآة فقطْ تفْطِنُ لتمرُّطِ شَعْرك،
وجفافِ فمِكَ وتَهشُّمِ عَيْنيْك.
على هذهِ الحالُ أبْقى، أتطلّعُ فيَّ.
ولا أشْعُرُ بالانْتماءِ إليّ،
إنّني تِمْثالٌ من المِلْح.


* ترجمة عن الإيطالية: كاصد محمد



بطاقة

شاعرٌ وكاتب مسرحي وناقدٌ أدبي وأستاذ جامعي إيطالي، وُلد في مدينة أومينيانو بمقاطعة ساليرنو عام 1980. من إصداراته الشعرية: "نوتة معلّقة" (2023)، و"ذكرياتُ نهاية الألفيّة وشخصيّاتُها" (2024). وفي النثر: "الهرب من أورّيل" (2012)، و"وحوش أنوير" (2019). وفي المسرح: "دونة جوانا" (2015)، و"الغوريلّا" (2015)، وفي النقد الأدبي: "سرد الذات شعريًّا" (2012)، و"المدرسة التعاطفية" (2020).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون