حيث يعرف أنَّ التربة ناعمة

24 سبتمبر 2024
مقطع من غلاف مجموعة كوبر يونغ "أراضٍ مقدّسة"
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توجيهات الأب للشاعر: أكد الأب على أهمية المعرفة المتنوعة للشاعر، مثل معرفة معاني الكلمات وأصولها، وأهمية حفظ أسماء الطيور والأشجار. شدد على أن كل قصيدة هي دعاء وحذر من الخلط بين الصدفة والإشارة.

- ذكريات الأب مع الطيور: كان الأب يسمي العصافير بأسماء أصدقاء قدامى ومرشدين، ويستذكر معهم القصص، مما يعكس ارتباطه العميق بالذكريات والأشخاص.

- تأملات في الحياة والموت: تحدث الأب عن الموت بشكل فلسفي وأكد على قيمة الحياة اليومية. كانوا يجتمعون لشواء تونة الآهي مع الأناناس الطازج، مما يعكس تقديرهم للحياة واللحظات البسيطة.

عندما عرَّفني أبي على الشعر


قال لي يجب أن تكون لدى الشاعر
معرفة متواضعة
عن أشياء كثيرة.
مثلاً، يجب أن أعرف أنَّ
كلمة ويسكي
تعني ماء الحياة
وأنَّ الحب الرومنسي نما
من الشِّعر وبدعة التروبادور. 
قال إنَّ الشاعر
يجب أن يحفظ أسماء
الطيور والأشجار، لأنَّ الكلمات
أعظم أدوات الكاتب.
قال لي إنَّ كل قصيدة دعاء
وحذَّرني من الخلط 
بين الصُّدفة والإشارة.
ذلك اليوم شاهدتُ
متسولاً يُفلّي
القطع النقدية المتبقية في قبعته
ويرمي الِبنسات
في نافورة.


■ ■ ■


صباحات الصيف


يُسمّي أبي العصافير التي تأكل من طبق التغذية خارج نافذته. يمنحها أسماءَ أصدقاءٍ قُدامى ومُرشدين وألِدّاء: أسماء ليس مستعداً لنسيانها. هذا الصباح، بين رشفات القهوة، يُحيّي عصفور جَنك يدعوه جيمس، وشَرشوراً منزليّاً يدعى جون، وعصفورةَ سِسكِن تدعى كارول. يستذكر معهم، ولا يخاف من تكرار القصص، في حال كان جيمس الذي التقى به بالأمس مختلفاً عن جيمس الذي التقى به اليوم. 


■ ■ ■


طافياً


اليوم، النجومُ مُخبَّأة 
وراء حجاب من الأزرق.
الأمواج تُدير نفسها
من الداخل إلى الخارج، ووالدَاي
يتمايلان في الماء، وراء الصدع.
قد عاشا أكثر من والدَيهما،
ولا أعرف إذا كانا يريدان ذلك.
يقول لي أبي، الموت
لا يمكن أن يكون بهذا السوء، لَم يُكلِّف
أحدٌ نفسه بالرَّجعة.
مع ذلك، كُلَّما سألتُ 
إذا أمكنَ أن يكونا جاهزَين للمرور،
يقولان لا، اليوم
يومٌ جيد لنكون على قيد الحياة.
ستبتلع الأرض عظامهما
عمّا قريب، لكن هذا المساء
سيَشوي والدَاي تونة الآهِي
مع الأناناس الطازج، ومعاً
سنرشف روزيه منعشة.

■ ■ ■


حيث لن تطير البوم


في الليل، تبرق شبكات 
النوافذ من المباني
الممتدة إلى السماء.
تتوهج الشوارع
بالهواتف المحمولة، وإشارات المرور،
ولافتات النيون على الصيدليات
التي لا تغلق أبداً. مصابيح الشوارع
تسكب ضوءها على المدينة
وتُنير الرصيف.
ما عادت النجوم مرئية،
وأضواء المدينة
لا تؤدّي إلى أي مكان.


■ ■ ■


إخلاء الساعة 3 فجراً 


تقضم أسماك الكُوي الرماد
الذي يغلِّف سطح البِركة. 
الباب الأمامي
مفتوح، والأوراق المُتفَحِّمة 
تسقط على دواسة الترحيب. 
يركض أهلي 
في أرجاء المنزل مع أكياس قمامة،
جامعين الكنوز. 
هل آخذ وشاحي المفضَّل
أم ملابس داخلية نظيفة للغد؟ 
أقلِبُ إشارة "كلب سيئ"
لكي لا يرتدع رجال الإطفاء، 
وأشكرُ بإيجاز تمثال
غوان يين، الذي راقب 
منزلي لعقود. 
قبل أن نهرب، يسقي
والدي شُجيرات بونسايِه
ويترك طعاماً للطيور. 


■ ■ ■


أمثال


حتى مدينة الذهب مظلمة في الليل.
*
الحجارةُ أسياد التوازن، فهي تتدرب باستمرار.
*
تستدعي أطول من ليلة واحدة رؤية كل مجموعة نجميَّة.
*
الكاميرات عيون لا تستطيع أن ترى بنفسها.
*
العنكبوت لا يعلق أبداً في شبكته.
*
الإدمان وصمة على العقل.
*
حروق الشمس في الشتاء تؤلم بقدر حروق الشمس في الصيف.
*
حتى الحَجَرة التي تُقذَف لتنُطَّ على سطح الماء تغرق.


■ ■ ■


المقبرة ذات البوابات الصدئة


أجد شجيرات الفاوانيا مدسوسة بعيداً
في آخِر المقبرة، تنمو بجانب صفوف
شواهد القبور الفارغة. ألواح حجر الكلس
تآكلت مع المطر، والطحالب
تزحف حول حوافها. لا أعرف
أين دُفن أجدادي،
لذا أحبُّ أن أؤمن بأن العظام
تحت قدمَي تنتمي إلى شخص 
يسعني أن أدعوه عائلتي. أُقدّم احترامي،
لأن الصلوات لا تذهب سدى.

■ ■ ■


لا حياة أُخرى


خلال الأشهر الثلاثة الماضية، سافرتُ
مئات الأميال، وانحنيتُ
لعدد لا يُحصى من القبور. مشيتُ 
على طرق ترابية عبَّدها 
المسافرون قبلي، وأُعجِبتُ
بمناظر رسَمَها الأسياد. 
طال شَعري، وخطُّ يدي
يبدو أكثر فأكثر مثل خطِّ أبي. 
ما زلتُ أشعر بالشعور نفسه، ولكني أعرف أنّي تغيَّرت
لأن هذه الكلمات قبل سنة
ما كانت لتُكتَب. 
الآن، كلُّ ما آمل 
هو أن ترقى أفكاري إلى شيءٍ ما، 
مثل رجل يصفِّق أمام الجمهور،
أو مالك حزين يضرب جناحيه مرَّة
ليبقى في الهواء فترة أطول قليلاً.


■ ■ ■


حيث التربة ناعمة


أبي يريد أن يصنع مقبرة للشعراء،
والحقل قرب منزلنا سيكون المكان المثالي.
صفوفٌ من أشجار الفاكهة كانت تحاذي البستان القديم،
لكن كلّ ما تبقى هو شجرة تفّاح وشجرة كمثرى
وشجرتَي برقوق مجوَّفتَين ما زالتا تُثمِران.

لكُلِّ شاعر أراد أن يَدفن حفنَة من رماده،
ويختار قصيدةً تُنقَش على شاهد قبره.
أبي يعرف الكفاية من الشعراء، لكن فات الأوان
على سؤال مُعظَمِهم، ولا أحد يريد أن يكون
أول شخص دُفِن في مقبرة.

اشترى أبي العقار عندما كان لا يزال يافعاً،
وأخي جيك ترعرع في الكوخ الصغير هناك.
أصابته الأرضيات الخشبية الخشنة بالشظايا عندما تعلَّم الزحف.
بالنسبة لجيك، كان من الطبيعي وضع القدور والمقالي خارجاً لتلتقط المطر،
الذي وجد طريقه من خلال الشقوق في السقف.

عندما كانت أُمي حاملاً بي،
سقطت شجرة سيكويا في منزلنا في عاصفة.
كانت أصوات المطارق والمثاقب تهويدتي
بينما أعاد أبي بناء المنزل بالخشب من الشجرة الساقطة.
سقطت شجرة السيكويا من "فوق على القمّة"

لَقبُنا للحقل على التلّة فوق منزلنا.
عندما كبرنا بما يكفي،
علَّمَنا أبي هناك، أنا وجيك، القيادة.
في ذلك الحقل، تعلَّمنا كيفية تقليم شجرة تفّاح،
وإيجاد فطر القوقَع، وتقليب تربة حديقة.

في الآونة الأخيرة، أخذ والدَاي يُهدِّدان
ببيع المنزل والانتقال إلى مكان 
من الأسهل أن يشيخوا فيه. هما خائفان 
من التسبُّب بمشقَّة إضافية لنا أنا وأخي.
لطالما كانا على هذه الشاكلة. 

حتى وهو ميّت،
لا يريد أبي أن يكون مصدر عناء.
يطلب منّا أن نحرق ما تبقّى منه إلى رماد
وأن ندفنه فوق على القمّة
حيث يعرف أنَّ التربة ناعمة.


* ترجمة عن الإنكليزية: أنس طريف


بطاقة

يونغ - القسم الثقافي

Cooper Young، شاعر أميركي يستفيد عمله من التقاليد الشعرية الشرقية وبشكل خاص تقاليد الهايكو الياباني، التي يُعيد تقديمها في قصيدة حديثة وإنسانية خارجة على السائد في الشعر الأميركي الذي يُكتب الآن. في قصائده بساطة آسرة تشي بعمق العلاقات الإنسانية التي تكشف عنها. أنجز مجموعته "أراضٍ مقدّسة" Sacred Grounds بعد رحلة/ حجيج إلى اليابان تتبع فيها على مدار شهرين خطى الشاعر الياباني من القرن السابع عشر ماتسو باشو، فتحولت المؤثرات والبيئة اليابانية/ الشرقية إلى شيء جديد ومختلف عبر صوت الشاعر، مواصلاً بذلك تقليداً يَقلُّ ممثلوه اليوم في الشعر الأميركي أو الأوروبي؛ ذلك التقليد الذي استلهم الشعر الشرقي كما فعل عزرا باوند مع الشعر الصيني القديم، وتي. إس إليوت بدرجة ما مع الشعر الهندي (السنسكريتي)، أو الفارسي (تأثير عمر الخيام على بداياته)، وحتى استلهام الشاعر الفرنسي لويس أراغون  للشعر العربي القديم (ديوانه "مجنون إلزا" أفضل مثال)، ومن قبلهم جميعاً استلهام غوته لحافظ الشيرازي في "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي نُشر في العقد الثاني من القرن الثامن عشر. 

درس كوبر يونغ الرياضيات في جامعتي برنستون وكاليفورنيا، ولديه أيضاً أبحاث وكتابات في هذا المجال. اختيرت قصائده مؤخراً في أنطولوجيا "أفضل الكتابات الروحية" Best Spiritual Literature لعام 2024.
 

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون