تضع لوحاتُ معرض "حين لقاء"، للتشكيلي المصري طاهر حمودة (1987)، والذي اختُتم الأربعاء الماضي، في "غاليري آزاد" بالقاهرة، متلقّيها أمام مشهديةٍ يستحيلُ فيها الجسدُ البشري إلى صَرْحٍ ضخمٍ. إذ لا يكفي أن نقول إنّ الأعمال كبيرة الحجم، فهذا كلامٌ وَصْفيٌّ قد لا يكون متمعّناً بالمضمون حقّ التمعّن. فاختيارُ الجسد البشري بهذه الأقيسة المُتعملقة، والتفصيل بكُتلِه العضلية، كأنما هي مقدودة من صَخر، يجعلُ التشكيل ضرباً نحتياً أكثر منهُ تشكيلاً مكتفياً بذاتِه، يرسمُه وفقاً لقواعد الطّرْقِ والتشييد البنائي، لا المدّ على القماش.
بيد أنّ هذه العملقة بريئة غير رعناء، تخشى أن تطأ الأرض بأقدامها فتؤذي ورداً أحمر من تحتها، كما تصوّر إحدى اللوحاتُ إنساناً/ كتلةً، وقد آثر أن يمتطي كركدناً (في مجموعة سابقة لحمودة بعنوان "بطل الظلّ"، كان العملاق يركب فيها درّاجة هوائية)، على أن يدوسَ الأرض بقدميه، وتحته بالفعل قد تفتّح وردٌ أحمر، وضمّ بيده باقةً منها.
ولمّا كان كلّ لقاءٍ مشروطاً بطرفَين، فإنّ المعرض الذي اتّخذ من هذه الكلمة (لقاء) موضوعاً له، يبحثُ لكلّ عملاقٍ من أولئك عن رَسيلٍ/ شريك، يُقاسمُه النبرة البريئة، والسلوك المتخفّف، لنجدَ أنّ امرأة متعملقة أيضاً، تمتطي كركدناً هي الأُخرى وتفتحُ ذراعيها، ولا شيء من تحتهما سوى وردٍ أحمر.
وحدها قوّة اللون ترتدّ بنا من فضاء النحت إلى التشكيل مرّة أُخرى
كذلك تُخيّم حالة من الصفاء، وهو مُستدَعىً - ربّما - بفعل مقدار البراءة الذي يُحرّك أشخاص اللوحة، إنّه زمنٌ صافٍ نقيّ يُفسح للتصويرية أن تكون في مداها الحرّ الذي تألف. زمنٌ يُكتفى فيه بـ"الأزواج"، ولا ضيرَ أن يكون الإطار من حولهم قاحلاً أجرد. إذاً، نحن أمام الأسطورة القديمة، التي أشار إليها بيانُ التقديم للمعرض، والتي تفيد بأنّه في البَدْء لم يكن هناك رجال ولا نساء، بل كائنٌ واحدٌ جبّار شُطر إلى نصفين للتخفيف من قوّته التي تحدّتِ الآلهة، ومنذ ذلك الحين يبحثُ كلُّ جزءٍ عن نصفه الآخر.
وإن كان من قوّة في عناصر المعرض فهي للّون، وحده يَبرزُ بكُلِّ طاقتِه ليُعيد للّوحة حضورها، إنّه يتركُ كلّ شيء على حاله، لا يهدمُ ما شيّده البُعدُ النحتي، على العكس من ذلك، بل يأخذُ بيدِه، ويبني عليه. إلا أنّه، وفي لحظةٍ ما، ينتصر لنفسه أيضاً، ويرتدّ بنا من سفَر عميق في الفضاء النحتي إلى التشكيل مرّة أُخرى. وكأنّ كُلّاً من الحقلين (التشكيل والنحت) يسعى إلى آخَره. وبذلك يمكنُ القول إن هذا الاندماج والبناء والاستعادة هو عودة إلى التطلّع الأوّل في العنوان نفسه "حين لقاء"، تأويلٌ طريف نستعينُ به أمام حُسنِ المزج.
يُشار إلى أنّ حمودة قد شارك في عدد من المعارض الفردية والجماعية، ومنها: "معرض أجندة" في "مكتبة الإسكندرية" أعوام: 2012، و2013، و2014، و2020، و"المعرض العام في متحف الفن الحديث بالقاهرة" (2018)، ومعرض شخصي في "غاليري نقوش" بالقاهرة (2019)، وغيرها.