- "أحمر" تصور الصراع الداخلي والعجز أمام الدمار، باستخدام اللون الأحمر كرمز للألم واليأس، وتنتهي بتساؤل حول إمكانية انطفاء اللهب الداخلي.
- "خمس وردات" تقدم هدية رمزية للحبيبة، معبرة عن مشاعر متنوعة من الحب إلى الحزن، وتعكس الرغبة في التواصل العاطفي والروحي، مستخدمة الوردات كرمز للتفاني والإخلاص.
ضوء مشترك
انتظرنا، فلم يأتوا. فتحنا
النوافذ، وأصغينا للأصوات
ليلاً ونهاراً، ومشّطنا الوجوه المُتعبة
النازلة إلى المحطّة وجهاً وجهاً،
وضبطنا منظارنا على البُقع التي في الأفق:
انتظرنا، منكسرين، حتى بعد معرفتنا
أنهم لن يأتوا.
لم تمرّ الأيام عظيمة هنا:
اللحظاتُ العادية والبسيطة والهادئة
طاردت لحظاتٍ عادية وبسيطة ومُرّة:
لم يكن ثمّة عواصف كبرى، ولم تُحل
أسحار كبرى هذا الصيف: الأحزان الدائمة
من غير سبب، وفأل الأطفال التائه،
وقليل من علم اجتماع البلدة في العطلة،
وعادت التقويمات بالكلام الفارغ:
كانت عيننا على الطريق، ولم يأتوا.
انزوينا في الغرف، وقرأنا قراءة صامتة
قصائدَ سيفريس ومُونتال،
وأبياتاً مليئة بالبحر المتوسط، كلّها من أنوفنا.
فجأة انطلقنا في مسير مساءً
وصمَتْنا فجأة.
كأننا قبضنا على معنى نادر،
صعدنا إلى قُرى الجبال يوماً،
واستمعنا لقصة أولاد بائع الإسفنج،
وتحدّثنا مع امرأة منسيّة
في يوم آخر، ثمّ تتابعت المعجزات: نظرنا
إلى حدأةٍ بعين الصيد طويلاً،
أنزلنا مطراً غزيراً وسط الفصل الشاحب
بينما نُطفئ حريقاً، أشعلنا حريقاً آخر:
كان يمكنكم أن تأتوا فجأة، انتظرنا.
كانت المائدة جاهزة: عشبة الرجلة والثوم،
والزعتر الذي جمعناه بأيدينا، والتين،
والنعناع: كنّا جاهزين للاستمرار بالارتباك
والانفعال من حيث توقّفنا.
كنّا سنسأل كيف مرّ الماضي،
وكيف سيأتي المستقبل.
إذا لم نتابع الألم فلن يهدأ،
ولن يُفتح هذا الضباب الكثيف
إذا لم يُمسك ضوء مشترك من جذوره،
سنكون وسط الخوف الذي بداخلنا:
انتظرنا، فلم تأتوا.
ثمّة نقصٌ هام عندما بدأت العودة،
لم نستطع أن نُغلق الحقيبة. عُدْنا،
وأعدنا النظر إلى الغرف، وبحثنا
في المحاجر وفي الحياة: لم نفهم ما أضعناه.
لعلّنا كنّا بصدد نِصْف إحساس،
ولعلّه حلم يقظة،
تغذّى في أنفسنا،
ولعلّه لهب انطفأ في الآخَر،
وصلنا إلى عتبته، لكنّنا لم نره:
انتظرنا، لو أنكم أتيتم.
■■■
أحمر
البلد يحترق
قضيتُ حياتي بين تلك النيران التي لا تنطفئ.
روحي يابسةٌ،
وعقلي يُدخِّن دون انقطاع.
حاولتُ إدارة ظهري دون جدوى:
أينما أذهب لا أستطيع الهروب
من رائحة السخام التي تملأ أنفي.
وددتُ لو أعرفُ السبب، حاولتُ بلا فائدة.
كبرت الأشجار التي غرستُها، والدخانُ يتصاعد
وتبخَّرت مياه المطر التي جمعتُها...
التربةُ التي حرثتُها أصبحت جرداء أكثرَ،
عاماً بعد عام، أجلْ،
أنا رجُلٌ وَلَدَ طفلاً: إيكاروس،
لكنّني نادمٌ على ذلك من زمان.
كنتُ شابَّاً، أقنعتُ نفسي بأزمنةٍ أفضل
وتوقّعتُ أن يكون الصواب مواتياً،
لكن الخطأ أصبح جمرةً بدلاً منه.
توقّعتُ أن تتحطّم الأسبابُ واحدةً تلو الأخرى،
لكن النتائج سادتْ.
في البداية شققتُ طريقاً في الفراغ الذي أمامي،
تقدَّمتُ بصبرٍ وعناد، عاماً بعد عام، عبر النيران
والآن أنا منهك، ومذعور أكثر من أي وقت مضى،
أغرق ببطء في قاعِ نفسي.
هل سينطفئ هذا اللهب الكبير يوماً ما؟ لست أدري.
لكنني أعلم أنني لن أرى انطفاءَه.
من نافذةِ غرفةِ طابقِ السقيفة،
أطلُّ على ما أراه كطائرٍ برّيٍّ بنظرةٍ ثاقبةٍ: لا أرى سوى الرّعب
كما في لوحة ترشُّ علينا الألمَ القاتلَ الذي نمرُّ به
عبر أحد جُدران "برادو"،
أميِّز ملامح وجهي البائس
في إحدى الصُّوَر الحائرة.
تُرى، لماذا استحقَقْنا هذه الجحيم؟
أيّ كبائر وأي جرائم غير قابلة للعقوبة جمعتْنا
كي تكيلَنا في أحد كفَّي الميزان الظالم؟
لو كان كابوساً لصحوتُ لأُجفِّف عرقي المتصبِّب.
لو كان نوعاً من الهلوسة - الهذيان الارتعاشي - لاحتملتُ العطش.
لا هذا ولا ذاك، فالمرآة المُسطَّحة الغليظة تتقيّأ الحقائقَ أمامي:
نغرق نحو قاع بحيرة بُنّيِّة قرمزية تزداد اتِّساعاً.
■■■
خمس وردات
أحضرتُ لكِ خمس وردات يا حبيبتي
أحضرتُ، دون سبب، خمسَ وردات حمراء: من الدَّمِ.
خمس وردات بيضاء من الحليب، خمس وردات صفراء ذهبية الأوراق
أحضرتُ لكِ يا حبيبتي خمسَ وردات ورديِّة من الفَجْر.
اقتطفتْها يدٌ غير يدي، فيدي في غاية الجُبن:
لا أعرف إلّا الغرسَ واللّمس: جسدُكِ
بلدي الذي يحترق من الرأس إلى أخمص القدمين
وأصابعي من أجلكِ خمسُ وردات سوداء
من الفحم. الترابُ، اللّمسُ، والورقةُ الفارغة:
فخورة من بين كلماتي بلا سبب.
أتقدَّم وكلُّ رسم تتركه قَدَمي على الثلج رثاء
نزعتُ الأشواك: خمسُ وردات نقيَّة من أجلكِ.
* ترجمة عن التركية: محمد حقي صوتشين
Enis Batur شاعر تركي من مواليد أسكيشهير عام 1952. بدأ دراسته الجامعية في "جامعة الشرق الأوسط التقنية" في أنقرة وأكملها في باريس. بعد العودة إلى تركيا أصبح رئيساً لدائرة المنشورات في وزارة التربية الوطنية، ثم ترأّس تحرير عدد من المجلّات الأدبية، وأسّس عدّة دور نشر. توجّه إلى محاولات مبتكرة في الشعر شكلاً ومضموناً، لذلك أصبح رمزاً للشعر التجريبي ذي الثقافة الواسعة. صدر له ما يقرب من عشرين ديواناً شعرياً، ومؤلّفات عديدة في الشعر والفكر والسرد وحياتنا الثقافية. تُرجمت أعماله إلى اللغة الفرنسية والإيطالية والإسبانية والإنكليزية والهولندية والفارسية.