تحضر أعمال عالم الاجتماع الفرنسي ديفيد لوبروتون (1953) بقوّة في المشهد البحثي الفرنسي والأوروبي، وليس بعيداً عن هذا أيضاً حضور ترجماته إلى اللغة العربية. فشريحة واسعة من القرّاء باتت على دراية بنتاج صاحب "الجسد والمجتمع" (1985)، لما في دراساته من ضرورة تُلامس الراهن العربي، خاصّة في زمن التغيير والتطلع إليه.
عن "المركز الثقافي للكتاب" بالدار البيضاء صدر حديثاً كتاب "أنثربولوجيا العواطف: الوجود عاطفياً في العالم" لـ ديفيد لوبروتون، وبترجمة فريد الزاهي. يستكمل العمل مساقات البحث التشريحي الذي يسم أعمال الباحث، والتي تمزج ما بين العوامل النفسية في قراءة المجتمع، وما ينضاف إليها من عوامل أُخرى في إطار جامع هو الأنثروبولوجيا.
ليست مواضيع لوبروتون عمومية بالمعنى بالشائع بقدر ما تتجه نحو ما يمكن تسميته بإقحام البحث الأنثروبولوجي في مسائل غير معهودة من خلال الحديث عن الجسد، أو ما يحفّ بحياة الإنسان من مخاطر. وعلى ما في هذا من إحالة إلى خصوصية، إلّا أنّها تكشف عن الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع الوجود من حوله إلى جانب ما ينتابه من عواطف، بهذا يبدو الكتاب "أنثربولوجيا العواطف" استكمالاً بدهياً لما بدأه في "أنثروبولوجيا الجسد والحداثة" و"أنثروبولوجيا الألم" و"تجربة الألم" و"سوسيولوجيا الجسد".
ينطلق الكتاب من نقد فكرة أنّ العواطف حالات مطلقة، وفي هذا عودة نحو التخصيص الذي سبق وانطلق منه الباحث، لكنّه ليس تخصيصاً يستثمر في عزلة الإنسان أو يُماهي بينه وبين فردانيته، إنّما ليفرّق بين طبيعة العواطف المُفارِقة لما هو فيزيولوجي ولا هي بالعلاقات التي يمكنُ اختزالها في وظائف معيّنة.
والسؤال الذي يُوجّه لهكذا مُحاججة عن حجم تأثير تيار التحليل البنيوي وما بعده فيها، وهو التيار الذي راج بعد عقد الستينيات من القرن الماضي، وإن كان ما يريده الباحث من نظرته إلى السلوك بوصفه ترجمة للعاطفة لتتحوّل الأخير إلى مجرّد "علامة" حسب المعجم البنيوي.
يُشار إلى أن الكتاب صدر بداية بعنوان "الأهواء العادية: أنثروبولوجيا العواطف" في أواخر القرن الماضي، إلّا أنّ ديفيد لوبوترون أعاد تنقيحه بإضافات جديدة في أيلول/ سبتمبر 2021، وقد أصدر بعده كتاباً آخر في أيار/ مايو الماضي بعنوان: "البسمة: أنثروبولوجيا الملغِز".