إذا كانت الكتابات الاستشراقية قد تأسست في القرن التاسع عشر، فإنّ فُرص تناول المعرفة الأوروبية للعالمَين العربي والإسلامي خلال القرن العشرين، ستأخذ مدىً أوسع؛ ذلك لارتباطها بالتنافس الاستعماري الذي أكثر ما تجلّى في هذا القرن.
كما أنّ هذه المعرفة ستلبّي متطلبّات السلطة التوسعية الساعية إلى الهيمنة، ومدّ النفوذ على مناطق جديدة من العالم. وضمن هذا السياق، تُقرأ رحلات المستكشفين والكتّاب والأدباء، والتي لم تخرج عن إطار هذه المصلحة وخِدمتها، وهذا ما بيّنه المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق".
"الاستشراق الطليعي: الآخَر الشرقي في أدب رحلات القرن العشرين سرداً وشعراً" عنوان كتاب الباحث الأميركي ديفيد ليهاردي سويت، الصادرة ترجمته حديثاً عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، بتوقيع المترجم المصري علي الغفاري؛ والذي يرصد مجموعة من الرحلات الاستشراقية، في محاولة لاستكشاف الوضعية التي اشتغل فيها أصحابُها؛ وإن كانت وفقاً للنسق الإمبريالي أم أنها تحررت منه وتجاوزته.
يعتمد الكتاب (صدر بالإنكليزية عام 2017)، على متن كبير تتنوّع فيه الأجناس الكتابية التي خُطّت بها تلك الرحلات كالرواية، والمسرح، والمقالة، والشعر. إلا أنّ النظرة "الغرائبية" إلى الشرق والآخَر الموجود فيه، بقيت هي الجامع المركزي في ما بينها، وإنْ تضمّنت بعض هذه الأعمال "الطليعية" شيئاً من الخروج عن الإطار الاستعماري الصارم، أو احتوت على موقف تصويبي للمنهج الاستشراقي التقليدي نفسه.
ويركّز المؤلَّف على تطوّر هذا الموقف النقدي لاحقاً، ليُفصح عن توجّهات مناهضة للقاعدة المعرفية التي انبثق عنها، وبهذا فإن المادة التي يُعالجها الكتاب، تختلف - وفقاً للكاتب - عن تلك التي يتّخذها نقّاد ما بعد الاستعمار موضوعاً أساسياً لهم، ويعتمدونها مصدراً لإثبات "الدونية" التي ارتكزت عليها تلك المتون الاستشراقية الغربية في نظرتها إلى الآخر.
مع ذلك، يفحص المؤلّف في أصول هذه النظرة المعاكسة، وإن كانت تصدرُ حقاً عن أصل مختلف، أم أنها تعود في جذورها إلى مخيال العصر الرومانسي وتأثيراته في الفلسفة والأدب.
يُشار إلى أنّ الكتاب يتألف من سبعة فصول، ويشمل مسحاً جغرافياً واسعاً لبلدان العالم العربي والإسلامي، كانت تلك الرحلات قد تضمّنته، من المغرب مروراً بمصر وفلسطين وصولاً إلى الهند.