تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع من شباط/ فبراير، ذكرى ميلاد الكاتب التونسي حسن نصر (1937).
على عكس أعماله الأخرى، تظلّ رواية "دار الباشا" التي صدرت عام 1994 العمل الأشهر لمؤلفها، حسن نصر، حيث حظيت باهتمام القراء بشكل لافت ولا يزال لها بعض الحضور في الذاكرة الثقافية، وقد يعود ذلك إلى بنائها السردي الذي تستعيد من خلاله الشخصية الرئيسية للرواية مدينة تونس العتيقة قبل أربعين عاماً من زمن الحكي.
أتاح ذلك البناء توثيق الكثير من العناصر البصرية والمعنوية التي هي بصدد الاندثار في تونس، ليس فقط بسبب الإهمال أو التجديد المعماري، بل لتغيّرات أعمق طرأت على سكّان المدينة.
مؤلف الرواية هو ذاته ابن هذه المدينة وشوارعها وحكاياتها، ومن المؤكّد أنه نقل الكثير من حسرته على ما تؤول إليه عبر وسيط النص الأدبي، وتحضر هذه الرؤية الاسترجاعية في مؤلفات أخرى له مثل "ليالي المطر"، و"دهاليز الليل"، و"خبز الأرض"، و"سجلات رأس الديك"، و"كائنات مجنحة".
يغيب اسم نصر من الساحة الأدبية التونسية منذ سنوات، في ما عدا بعض التكريمات، لكنه يظل أحد أبرز الأسماء كلما استعيدت عقود النصف الثاني من القرن العشرين، وقد نالت أعماله جوائز كثيرة من التي ترعاها وزارة الثقافة مثل الجائزة التشجيعية في 1968 عن "ليالي المطر"، وفي 1978 عن "دهاليز الليل"، وجائزة الإبداع سنة 1989 عن "السهر والجرح".
تتميّز رحلة الكاتب التونسي بمساراتها المتشعّبة، فقد اشتغل في عدة مهن في تونس، ثم التحق بكلية الآداب ببغداد، وانقطع عن الدراسة قبل التخرّج، ومن ثمّ عاد لتونس وعمل بالتدريس حتى تقاعده.
بدأ الكتابة في العقد الثاني من عمره، حين نشر مجموعة من النصوص الشعرية بجريدة "العلم" التونسية، ثم انتقل إلى السرد فنشر أول قصة قصيرة بعنوان "دمعة كهل" سنة 1959 في مجلة "الفكر".
نقل أدب نصر ملامح كثيرة من تاريخ تونس المعاصر، بعضها مكرّس مثل تناول فترة النضال من أجل الاستقلال، في كتاباته الأولى وأبرزها مجموعة "ليالي المطر"، كما حضرت انعكاسات "النكسة" (1967)، وتجربة التعاضد كما في رواية "دهاليز الليل".