تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، فاتح تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الفنانة المسرحية التونسية رجاء بن عمّار (1954 - 2017).
منذ رحيلها في ربيع 2017، بدا أن مساحة من "حديقة" المسرح التونسي، والفن عموماً، تتّجه نحو الذبول؛ إنها المساحة التي كانت تعتني بها رجاء بن عمّار: فضاء "مدار" Mad'art في قرطاج، جسور التواصل بين المسرح والكوريغرافيا، وذلك الربط بين أجيال المحترفين والمبتدئين، ناهيك عن منطقة أخرى "خارج الحديقة" يبرز فيها وجهها النضالي والاحتجاجي ضد السياسات الثقافية أو ضمن معارك الكرامة الاجتماعية.
هذا البعد الاحتجاجي كان بارزاً منذ بدايات ظهور بن عمّار في الساحة الفنية، في السبعينيات من القرن الماضي إثر سنوات دراسة في ألمانيا. لم ترتبط بالشبكة المسرحية المكرّسة التي كان يديرها النظام بشكل سافر. كان مشروعها الأوّل هو تأسيس مسرح مستقل، وهو ما أنجزته في تجربة "مسرح فو" مع منصف الصايم (زوجها) وتوفيق الجبالي بداية من عام 1980.
ذهبت هذه التجربة إلى أقصى ممكنات التجريب الفنيّ؛ وضعت الخيال في محور العملية الإبداعية مسقطةً سطوة الثيمات المتداولة للمسرح، وعوّلت كثيراً على جماليات السينوغرافيا لتمرير رسائل جديدة للمتفرّج. ولكنْ تظلّ أهم ركيزة في هذا المشروع، وفي مسرح رجاء بن عمّار عامة، جعْلُ لغة الجسد اللسانَ المبين للعمل الإبداعي. وضمن إيمانها بالجسد، دعمت الفنانة المسرحية التونسية الكثير من التجارب الكوريغرافية وساهمت في استقلالية عروض الرقص عن الفن الرابع.
لم يكن هذا الميَلان نحو الجسد، كأداة تعبير مفضّلة، غياباً عن قضايا الحياة اليومية، بالعكس كانت تلك استعارة على الخشبة تهدف إلى تحرير الأجساد في الواقع. في أعمالها الأخيرة، تبرز هذه العلاقات الوطيدة بالفضاء العام: "نافذة على..." (2016) انهمك في سؤال المرحلة العربية الجديدة، ما بعد 2011، وكيف تحوّلت أحلام الأيام الأولى إلى عنف وإحباط يمتدّ لسنوات.
وفي مسرحية "طبّة" (2015) خاضت في قضايا الريف التونسي، المنسيّ عادة من الخشبة، مُسائلةً وعود التنمية والعدالة الاجتماعية في تونس. وقبل ذلك بسنوات بعيدة، روت في "وراء السكّة" (2001) واقع المقصيّين من دورة الحياة الشُغلية في وقت كانت مثل هذه المواضيع من تابوهات تونس زمن حكم زين العابدين بن علي.
يقع الفضاء الثقافي، "مدار"، الذي أدارته رجاء بن عمّار من منتصف التسعينيات إلى رحيلها، على بعد أمتار من القصر الرئاسي في قرطاج. كان من يحضر عروض "مدار" ليشاهد أعمالاً مثل: "ساكن في حي السيدة"، و"آخر فرصة.. الأمل"، و"الفقاعة"، و"تمثيل كلام"، وفاوست"، يقف على مفارقة رهيبة؛ كيف يمكن انتزاع مساحة من الحريّة فوق الخشبة وفي الخارج ذلك الحضور البوليسي الصارخ؟