تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من أيلول/ سبتمبر، ذكرى ميلاد المفكّر الاقتصادي المصري سمير أمين (1931 - 2018).
لولا الاعتراف الكبير الذي حظي به في دوائر الثقافة الفرنسية، والغرب عموماً، هل كان يمكن أن يكون سمير أمين معروفاً - كما هو عليه اليوم - عربياً؟ لطالما وضع صاحب كتاب "التراكم على الصعيد العالمي" إصبعه على أكثر من خلل في تطوّر بلدان العالم الثالث، ومنها العربية، بما في ذلك من إحراج للأنظمة التي تحكمها. لقد كانت نظرياته حول نمط الإنتاج والتبعية والتبادل تُعرّي كل الشعارات التي كانت ترفع من العراق إلى المغرب باسم التنمية والتطوير والتخطيط.
يشير كل ذلك إلى "تبعية" في الاعتراف، بما يعني أن اشتغال أمين على مفهوم التطوّر اللامتكافئ والذي يؤدّي إلى تفسير التبعية الاقتصادية بين دول الشمال والجنوب، يمكن أن نضع بجانبه تبعية ثقافية وحالة من التطوّر المعرفي اللامتكافئ، وها إن نظريات أمين بالذات أحد أمثلتها.
ربما لولا حرص المفكّر المصري، منذ ثمانينيات القرن الماضي، على أن يكون قريباً من الثقافة العربية من خلال الإشراف على ترجمة أعماله أو الكتابة مباشرة بالعربية، ناهيك عن التردّد على العواصم العربية محاضراً ومشاركاً في الندوات، لما كان له أثر كبير في حياتنا الفكرية.
في ذلك ليس سمير أمين استثناء، فالأمر ذاته حدث مع مواطنيه عالم الاجتماع أنور عبد الملك، وعالم النفس مصطفى صفوان، والمفكرين الفلسطينيين هشام شرابي وإدوارد سعيد، وغيرهم، وبدون حرص هؤلاء على الاقتراب من الثقافة العربية لم يكن ليكون لهم تأثير كبير عليها، كما أنهم بدون الاعتراف الغربي بمنجزاتهم المعرفية كانوا سيظلون نكرات في ثقافتهم الأم.
كان سمير أمين أحد أبرز وجوه حركات مناهضة العولمة وأحد أبرز المفكرين في مخارج لها، وهو إرث يبدو أنه لم يجر التقاطه عربياً بالشكل الأمثل، خصوصاً في الجانب التنظيري الذي تميّز فيه، وفي ذلك مفارقة بارزة، فالبلاد العربية من بين أكثر مناطق العالم تأثراً سلبياً بالتراتبية العالمية، لكنها من أقل مناطق العالم إنتاجاً فكرياً حول هذا الوضع، وعلى الرغم من كون أحد أبنائها يلهم الاستراتيجيات البديلة عما تفرضه سياسات القوى الكبرى، إلا أن الاستفادة العربية من سمير أمين تبدو في حدودها الدنيا.