تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع والعشرون من شباط/ فبراير، ذكرى ميلاد القاص والروائي المصري عبد الحميد جودة السحار (1913 –1974).
أشار عبد الحميد جودة السحار الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده في كتابه "القصة من خلال تجاربي الشخصية" إلى أنه "لو كانت القصة تُقاس بحبكتها وموضوعها، لكانت الحوادث التي تسردها الصحف كل يوم متفننة في عرضها قصصاً فنية، ولكنها بعيدة عن ذلك؛ لأن عنصر الحياة ينقصها".
وقدّم الروائي والقاص المصري (1913 – 1974) في الكتاب خلاصة قراءاته حول فن القصة القصيرة، خاصة ما اطلع عليه من الآداب الإنكليزية والفرنسية، محاولاً تكييفها مع الواقع العربي حيث ساهم هو مع آخرين مثل نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي في تكريس حداثة هذا الفن في السرد العربي.
الهاجس الذي يلّح على السحار يتعلّق بالجانب الفني حيث لم يجد القصة خارج عناصرها التي ظهرت عليها في الغرب، مع انشغال في تقتيناتها المتعدّدة التي يوضّحها بالعديد من الأمثلة المقتبسة من كتابات هنا وهناك. ومثل بقية أبناء جيله، فإن "الفن يكون انعكاساً صادقاً من الحياة على الشعور" منحازاً بذلك إلى الواقع بما يضمره من أزمات وليس إلى لغة إنشائية حول حيوات وشخصيات متخيّلة، كما عبّر عنها الجيل الذي سبقهم من الساردين في مصر والعالم العربي.
انحاز مثل بقية أبناء جيله إلى الواقع بما يضمره من أزمات وليس إلى لغة إنشائية حول حياة متخيلة
حاز صاحب كتاب "قصص من الكتب المقدسة" درجة البكالويوس في التجارة من "جامعة فؤاد الأول" (جامة القاهرة حالياً) سنة 1937، وبدأ ينشر نصوصه الأولى في مجلتي "الرسالة" التي أسّسها أحمد حسن الزيات" و"الثقافة" لصاحبها أحمد أمين.
في تلك الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها السحار، توجه إلى التاريخ كمصدر لرواياته في محاولة لإعادة النظر إليه وفهم دوافع من صنعوه، فكتّب قصته الأولى "أحمس بطل الاستقلال" سنة 1943، ثم روايته الثانية "أميرة قرطبة"، لكنه ينبه في كتابه – الذي أشرنا إليه- إلى أنه كلما انتهى من كتابة قصة واقعية، فإنه يحسّ بحنين إلى كتابة "قصة تاريخية لأسمو عن عالم الواقع وأبعد عنه وأعيش في الخيال، فللخيال سحره وروعته، ولقد كنت أقاوم هذه الرغبة وأتهم نفسي بأنني أحاول أن أهرب من واقع حياتنا كما يحاول أن يهرب السكير من واقعه الذي يضنيه..".
وعودة إلى واقعه، كتَب العديد من القصص التي تصوّر المرحلة التي عاشها تحت الاستعمار البريطاني، كما في قصة "قلعة الأبطال" التي تصوّر الصراع بين الشعب المصري وبين القصر زمن ثورة عرابي في وجه الخديوي توفيق، حيث تتبّع أحداث المقاومة الشرسة التي خاضها عدد من الجنود في "طابية صالح" واستطاعوا إعاقة دخول الجيش البريطاني لميناء الإسكندرية.
انتقل بعد ذلك لصياغة مشروع يقوم على إعادة كتابة تاريخ السنة النبوية سردياً، ومن هذه المؤلّفات "أبو ذر الغفاري"، و"بلال مؤذن الرسول"، و"سعد بن أبي وقاص"، و"أبناء أبو بكر"، و"محمد رسول الله والذين معه"، والتي تحوّل بعضها إلى مسلسلات تلفزيونية.
في مرحلة لاحقة، ألّف السحار سيناريو عدد من الأفلام السينمائية ربما يكون أبرزها "درب المهابيل" الذي أخرجه توفيق صالح، وتم تحويل العديد من رواياته للسينما ومنها "شياطين الجو" و"النصف الآخر" و"ألمظ وعبده الحامولي" و"أم العروسة" و"الحفيد".