تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد عالم اللغة والأزهري المصري عبد المتعال الصعيدي (1894 – 1966).
في عام 1955، خاض عبد المتعال الصعيدي، الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده، معركة جديدة من معاركه مع التيار المحافظ في الأزهر، على خلفية نشر كتابه "الحرية الدينية في الإسلام" الذي اجتهد فيه بالقول إن المرتد لا يقتل حيث لا إجماع على قتله لدى السلف، وإن للمرتدين حرية الاختيار من خلال امتلاكهم العقل لما يؤمنون به.
وأتى موقف عالم اللغة والأزهري المصري (1894 – 1966) تراكماً لآرائه السابقة حول ما تعرّض له علي عبد الرازق بعد إصدار كتابه "الإسلام وأصول الحكم" وكذلك طه حسين بعد إصدار مؤلّفه "في الشعر الجاهلي"، حيث أعلن مخالفته لما أورده الكاتبان، لكنه اعتبر ما وصل إليه عبد الرازق من فساد مؤسسة الخلافة أنه حقيقة ينبغي التفكير في إصلاحها، وناقش حسين في ما اعتبره انتحالاً لآراء المستشرقين من دون إظهار مصادره العلمية، لكنه رفض تكفيره.
عبّر عن انتصاره لآراء ابن رشد حول الخلافة والحكم، وكذلك انحيازه لأفكار محمد عبده
تعدّدت سجالات الصعيدي على صفحات الجرائد والمجلات مع رجال الدين المحافظين وذوي الميول الإصلاحية، وكذلك مع الكتّاب الذي يتبنون قيم الحداثة والعلمانية، وربما لكثرة خصومه لم يجر الالتفات إلى منهجيته في تجديد النص والتأويل إلا متأخراً، وظلّت أزمته الكبرى مع الأزهر كمؤسسة ونظام في عدد من مؤلّفاته التي أُهملت ولم تجد من يتبناها خلال العقود الماضية.
كان صاحب كتاب "السياسة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين" أحد أبرز الطلبة الأزهريين المتفوقين، إلا أن نقاشاته الحادة مع المشايخ كانت سبباً في تأخّر ترقيته والاقتطاع من راتبه، ورغم محاولات النصح له من عدد من المقربين بأن يلين لخصومه من رجال الدين المتشددين، لكنه رفض ذلك وواصل معارضته حتى نشر كتابه "نقد نظام التعليم في الأزهر الشريف" عام 1924، والذي أحدث ضجة وجدالاً كبيرين في صفوف طلبة المعاهد الأزهرية، وتصاعد التأييد لما جاء في كتابه من دعوات للإصلاح، وبعد تشكيل لجنة لمعاقبته صدر قرار باقتطاع خمسة عشر يوماً من راتبه.
عبّر الصعيدي عن انتصاره لآراء ابن رشد حول الخلافة والحكم، وكذلك انحيازه لأفكار محمد عبده، والتي تضمّنتها سلسلة مقالاته التي نُشرت تباعاً منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي، في مجلات "الرسالة" و"البلاغ" و"المنار" وغيرها، وازدادت الضغوط عليه عندما بدأ حملته ضدّ الطرق الصوفية التي ألّبت عليه العديد من علماء الأزهر، ثم قوله الصريح إن الشعوب هي التي تقرّر ماذا تريد من حكم جمهوري أو ملكي ولا يفرض عليها، لتبدأ دائرة أعدائه بالاتساع.
رأى خلال مساجلاته مع المودودي وسيد قطب أن جمود الفكر الديني سيقود إلى مزيد من التشدّد
منذ عام 1937، بدأ صاحب كتاب "لماذا أنا مسلم؟" بنشر مقالاته حول تقنين الشريعة الإسلامية وتطوير نظام الحدود مبيناً الصعوبات في تطبيقها، غير أن هذه الحملة كانت الأشدّ شراسة بحقه وانتهت بتشكيل لجنة أجبرته على العدول عن رأيه من دون أن يغيّر قناعاته حيث حاول الكرّة مرة أخرى من خلال مساندة مصطفى عبد الرازق في محاولاته الإصلاحية داخل الأزهر خلال الأربعينيات، وكذلك في الخمسينيات، حتى تقاعده سنة 1959.
ورأى الصعيدي أن جمود الفكر الديني سيقود إلى مزيد من التشدّد، وظهور جماعات متطرفة، خلال مساجلاته مع أبو الأعلى المودودي وسيد قطب حول مفهوم الجهاد وتكفير المجتمع وطبيعة الحكم الشرعي، والتي قد تعدّ نبوءة سبقت ما برز من تيارات دينية متشددة بعد ذلك بنحو عقد ونصف من الزمان.
من بين المؤلّفات التي تركها: "الإصلاح الإسلامي في أدب صدر الإسلام"، و"أضواء على فلسفة ابن خلدون"، و"البلاغة العالية"، و"تاريخ الإصلاح في الأزهر وصفحات من الجهاد في الإصلاح"، و"تاريخ العرب في الجاهلية وصدر الإسلام"، و"حرية الفكر في الإسلام"، و"السياسة الإسلامية في عهد النبوة"، و"شرح ديوان مجنون ليلى"، و"القرآن والحكم الاستعماري"، و"القضايا الكبرى في الإسلام"، و"من أين نبدأ؟"، و"النهضة الأدبية قبل الإسلام".