تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العاشر من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد الكاتب الفرنسي مارسيل بروست (1871 – 1922).
بين عامي 1913 و1927، أصدر الكاتب الفرنسي مارسيل بروست الأجزاء السبعة من روايته "البحث عن الزمن المفقود"، وكأن حياته يمكن أن تختصر في هذه السنوات، ذلك أن الرواية باتت المصدر الرئيسي لسيرته على الرغم من أن المؤلف قد ترك فرضية إن كانت أحداث الرواية حقيقية أم لا معلّقة.
هذا التذبذب كان سبباً في ظهور حقل بحث أدبي نشيط هو نظريات السيرة الذاتية، وهو ما يؤكّده الباحث فيليب لوجون الذي اعتبر أن الإشكاليات التي تخلقها رواية "البحث عن الزمن المفقود" هي التي قادت إلى تطوير النظرية الأولى، فلم يعد مع عمل معقّد مثلها تطبيق تلك القاعدة التي تقول إن السيرة الذاتية عمل يتطابق فيه اسم المؤلف والشخصية الرئيسية والراوي.
وعلى مستوى آخر، أثارت الرواية انتباه الباحثين من خارج الأدب، كما هو الحال مع كتاب مرجعيّ ألّفه المفكّر جيل دلوز بعنوان "بروست والعلامات"، واضعاً الكاتب الفرنسي ضمن مشروع واسع يقرأ فيه الفكر المعاصر مفاهيمياً، ليحضر بروست إلى جانب برغسون وسبينوزا ونيتشه وغيرهم من المفكّرين.
كانت الرواية أيضاً منطلقاً للكثير من الأبحاث في مجالات أخرى مثل الأسلوبية وعلم النفس (خصوصاً دراسات الذاكرة)، وعلم اجتماع الأدب، كما جرى اعتمادها في تفسير نقاط تاريخية. وعلى صعيد آخر كثيراً ما لفت النقاد إلى طابعها المنفتح على العالم، إلى ما هو أبعد من فرنسا. ولعل ذلك كان سبب اهتمام ثقافات متنوعة بنصّه المتشعب، من الولايات المتحدة الأميركية إلى اليابان.
عربياً، وصلت "البحث عن الزمن المفقود" منجّمة. فقد ظهرت لأول مرة في 1977 نسخة عربية منها أنجزها إلياس بديوي وصدرت عن "منشورات وزارة الثقافة السورية"، ولكن مشروع الترجمة توقّف عند الجزء الثالث، وفي تسعينيات القرن الماضي استأنفت "دار شرقيات" في مصر مشروع ترجمة الرواية فصدر الجزءان الرابع والخامس مع إعادة طبع الأجزاء الثلاثة الأولى، وبرحيل بديوي في 1997 بدا أن الرواية ستظل منقوصة في العربية. غير أن المترجم السوري جمال شحيد (1942) استأنف المشروع، وترجم الجزأين الأخيرين بين 2003 و2005 ليكتمل عقد الرواية وقد صدرت طبعة كاملة منها عن "دار الجمل" في 2019.