تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم الثامن والعشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الفنانة التشكيلية المصرية مريم عبد العليم (1930 - 2010)
شكّت التحولات الاجتماعية والسياسية في المجتمع المصري محوراً أساسياً في أعمال مريم عبد العليم التي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلادها، حيث ركّزت على حركة التصنيع ونموّه في مصر خلال ستينيات القرن الماضي، وتزايد انخراط المرأة في العمل السياسي من خلال مشاركتها في الانتخابات البرلمانية وصولاً إلى هزيمة حزيران/ يونيو 1967.
تميّزت تجربة الفنانة المصرية (1930 - 2010)، التي تنتمي إلى الجيل الثاني من الغرافيكيين في بلادها، بتزاوج مسارات ثلاثة هي العمل الأكاديمي والبحثي لأكثر من أربعة عقود بعد نيلها درجة الدكتوراه في تاريخ الفن، واطلاعها الواسع على صعيد التقنيات والمضامين التراثية المصرية، ومحاولات توظيفها الحرف العربي كجزء من العمل الفني.
بدأت عبد العليم حياتها الفنية بمحاكاة مشاهد من الحياة اليومية تتسم بالواقعية التسجيلية، حيث أبرزت في أعمال الحفر على الخشب بألوان شفافة وتركيبات بسيطة حياة العمّال في المصانع والباعة المتجوّلين، ثم انتقلت إلى تناول موضوعات مصرية وأفريقية من خلال تبنّي أسلوب الطباعة البارزة باستخدام قالب اللينوليوم كوسيط طباعي، ومن أبرز هذه الأعمال كان "أفريقيا والاستعمار".
وكتبت في وصف تجربتها: "عادة ما تخرج الفكرة لبناء الصورة من خلل التفكير النفسي، فمررت بعدة مراحل كانت للأحداث المحيطة بي أثر كبير على إخراجها، ومن منطلق هذه الأحداث كانت تلك المراحل التي بدأت بتأثري بالشارع المصري وما يحويه من العربات، والإنسان والحيوان، والعجلة من الصباح إلى المساء، لذلك لعبت العجلة دوراً كبيراً في بناء أعمال فترة النصف الأول من الستينيات..".
في مرحلة لاحقة، استخدمت التصوير الفوتوغرافي في الطباعة في أعمالٍ أظهرت اهتمامها بالألوان الصريحة، وقدّمت عنصراً واحداً على سطح العمل ومنها مفردات الكعبة والكرسي والمصباح، ضمن لغة تعبيرية انفعالية، قبل أن تستمّد موضوعاتها بعد منتصف السبعينيات من التراث الإسلامي الصوفي من خلال استعارة آيات قرآنية وأدعية وابتهالات لتُصوّر فضاءات روحية تحيل إلى اغترابات الفنان عن واقعه المعاصر وتعبيره عمّا وراء العالم والوجود.
لجأت عبد العليم في هذه المرحلة إلى ألوان مركبة مع انتباه خاص إلى الصياغة الشكلية، وقدرتها على توظيف تقنيات متعدّدة داخل العمل ضمن تجريب يستند إلى تداخل خامات مختلفة تجمع بين الطباعة على الزنك، والطباعة على الخشب وكذلك التصوير والطباعة على الشاشات الحريرية.
وفى مجال البحث والتجريب، نفذت الفنانة أعمالها الغرافيكية بأساليب مختلفة، لكنها تعكس الثقافة المصرية الشرقية التي تعتمد على الشاعرية والخيال والغموض والإيحاء، واندفاعها إلى رسم شخصيات من التراث الشعبي بصورة ملحمية مثلما فعلت في عمل "حسن ونعيمة" الذي يستعير الحكاية المتوارثة عن عاشقَين من الصعيد يرفض أهل الفتاة تزويجها لحبيبها لأسباب عديدة، وينتهي الأمر بقتلهم الفتى وإلقاء جثّته في نهر النيل.
يُذكر أن مريم عبد العليم وُلدت في الإسكندرية، وحصلت على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من "جامعة حلوان"، ونالت الماجستير في الغرافيك والطباعة ودبلوم دراسات تاريخ الفنون من "جامعة جنوب كاليفورنيا" في الولايات المتحدة، ثم حازت درجة الدكتوراه من "جامعة حلوان"، وعملت مدرّسة في عدد من الجامعات المصرية والعربية حتى نهاية التسعينيات، وشاركت في عدد من المعارض في إيطاليا وفنلندا وألمانيا وفرنسا واليمن والنرويج واليابان.