لا يرقص أحدٌ اليوم في العتمة، أنتَ على بال الكل، وهم على بالك، لكن لا أحدَ يكترث حقّاً بك. لم يبقَ منكَ ولكَ إلّا الصورة، وللفكر ذاكرةُ البعوضِ ورنَّة صوته. خلفَ ظهره أخفى الله سبعةَ أكفٍّ لا يحمل فيها شيئاً لأحد.
■ ■ ■
ظننتُ مرّةً أنّي سأموت، ونسيتُ أنّي أعرف ذلك. الشكُ أشدُّ الأشياء مرارةً، ما أسهلَ المعرفة وأبسطَ الحقائق. أقولُ للناس كلّ شيء كي أبقى قريباً منهم، لكنّهم يُصرون أن يظنّوا بي الظنون، إذ السهلُ مُمِلُّ والحياة قصيرة. أُشبِهُ الموت إذن؟ هم كذلك دائماً الأعداء، أشباهٌ في الجوهر، فُرقاء في التوجُّه. لو كان الموت حرّاً لترك الأبطال، ولو كنتُ حرّاً لما عشت يوماً واحداً. أظنني سأموت، وأنسى أني أعرف ذلك.
■ ■ ■
في كلِّ امرئ منّا نزعةٌ للعودة إلى اللحظة الأولى التي انبثقت فينا الحياة، إلى كلِّ ما تلاها من حقائق وخيالات، كان الحاجز بينها واهياً وبالكاد مرئيّاً، لانعدام المعرفة والتجربة.
يكبر الإنسان ليميّز ما يتخيّله عمَّا يعيشه، ثم يتلاشى الأمثل فالأمثل، وتنطوي الحياة على ذاتها، الحياة لا تخمل، إنّما الجسد يصدأ ويعطب، الحياة كامنة وممكنة في أيّ وقت، في انكماشة خوف، وانكسارة خيبة.
لهذا نرغب بالعودة إلى اللحظة التي انبسطت فيها الحياة وامتدت على اتساعها.
أي الطريقين أسلك؟ وبأيهما أبتدئ، أو أيّهما أستأنف؟
■ ■ ■
لديَّ خوف غريب؛ يَحضُرني حين أكون في مكان معتم فأضطر لأن أشعل الإنارة، هذه النقلة المفاجئة، حتى لو كنتُ أنا مُفتعِلَها، تُوقع في صدري شعوراً بالأسى والوحشة، طردي لما تبقى من ضوء النهار، وإحساسي به يموت في صمت وانخذال.
كذلك شعرت حين غططتُ في الكتاب الذي أقرأه لعشر دقائق، ثم رفعت رأسي لأرى الشمس التي كانت تحتضنُ الجبل وقصر الحمراء قبالتي قد اختفت، كأنَّ ملاكاً أسود جاء وابتلعها، انقطعت رغبتي في القراءة، أنزلت قدميَّ عن الطاولة ولم أكمل فنجان القهوة.
■ ■ ■
يضعكَ الأرقُ أمام معضلةِ اختيار؛ هل تتنازل عن حاجتك للراحة وتسلّمَ نفسك لليقظة المُهتاجة، أم تحاول إخمادها وتتابع محاولة استجلاب الغفوة من أعماق روحك؟ لا تعرف أيّ الطريقين سيطيِّب ساعاتك، ويوازن واقع يومك التالي.
في حياتي حالات أرقٍ كثيرة، يقظات مُهتاجة، وحاجة ملحة للاطمئنان والسكون. أي الطريقين أسلك؟ وبأيهما أبتدئ، أو أيّهما أستأنف؟
يُذكِّرك الأرق بنفسك، يلخِّص لك حالاتك.
أصحو وأقبلُ ما في الصحو من قسوة، أم أضع خطّة للنوم؟
ربما كلاهما حسن، لكن طول التفكّر يُذهب بفوائد الحالين.
لو نمت لاسترحت، ولو قبلت الصحيان لأنجزت.
لكني لم أنل هذا ولا جرَّبت ذاك.
■ ■ ■
أنا داخلي؛ فكيفَ أعرف من أكون؟ لا تخبريني، هذا علمٌ غير نافع. طمئني روحي إليَّ، وذكِّري اسمي أنّه لي.
* كاتب فلسطيني من مواليد 1995